صفحة رقم ١٨٦
كان الاستثناء للشك، وإن كان لغيره كان لكسر النفس عن التمدح، وللشهادة بالجنة التي هي للمؤمن، وللحكم على حالة الموت، على أن هذه الكلمة لا تنافي الجزم، فهي بمجرد التبرك كقوله تعالى
٧٧ ( ) لتدخين المسجد الحرام إن شاء الله آمنيين ( ) ٧
[ الفتح : ٢٧ ] ذكر ذلك الإمام فخر الدين.
ولما كان ترك الدنيا شديداً على النفس، وترك النزاع بعد الانتساب فيه أشد، شرع يذكر لهم ما كانوا له كارهين ففعله بهم وأمرهم به لعلمه بالعواقب فحمدوا اثره، ليكون ادعى لتسليمهم لأمره وازدجارهم بزجره، فشبه حال كراهتهم لترك مرادهم في الأنفال بحال كراهتهم لخروجهم معه ثم بحال كراهتهم للقاء الجيش دون العير، ثم إنهم رأوا أحسن العاقبة في كلا الأمرين فقال :( كما ) أي حالهم في كراهية تسليم الأنفال - مع كون التسليم هو الحق والأولى لهم - كما كانت حالهم إذ ) أخرجك ربك ) أي المحسن إليك بالإشارد إلى جميع مقاصد الخير ) من بيتك بالحق ) أي الأمر الفيصل الفاروق بين الثابت والمزلزل ) وإن ) أي والحال أن ) فريقاً ( عبر به لأن آراءهم كانت تؤول إلى الفرقة ) من المؤمنين ) أي الراسخين في الإيمان ) الكارهون ( ثم ذكر دليل كراهتهم فقال :( يجادلونك ) أي يكررون ذلك إرادة أن يفتلوك عن اللقاء للجيش إلى الرجوع عنه ولما كان الجيش امراً قد حتمه الله فلا بد من وقوعه مع أنه يرضيه، قال :( في الحق ) أي الذي هو إيثار الجهاد ) بعد ما تبين ) أي وضح وضوحاً عظيماً سهلاً من غير كلفة نظر بقرائن الأحوال بفوات العير وتيسير أمر النفير وبإعلام الرسول ( ﷺ ) لهم تارة صريحاً وتارة تلويحاً كقوله ( والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم، هذا مصرع فلان وذلك مصرع فلا ) ولما كان سبحانه قد حكم باللقاء والنصرة تأييداً لوليه وإعلاء لكلمته مع شدة كراهتهم لذلك، شبه سوقه لهم إلى مراده.
فقال بانياً للمفعول لأن المكروه إليهم السوق لا كونه من معين :( كأنما يساقون ) أي يسوقهم سائق لا قدرة لهم على ممانعته ) إلى الموت وهم ينظرون ( لأنها كانت أول غزوة غزاها النبي ( ﷺ ) وكان لقاء، كانوا غير متأهبين للقتال غاية التأهب، إنما خرجوا للقاء العير، هذا مع أنهم عدد يسير، وعدد أهل النفير كثير، وكانوا في غاية الهيب للقائم والرعب من قتالهم، وكل هذا تذكير لهم لم ينصرهم إلا الله بلا صنع منهم، بل كانوا في يد قدرته كالآية في يد أحدهم، لينتج ذلك أنه ليس لهم أن ينازعوا في الأنفال