صفحة رقم ١٩٧
رميت ) أي اوقعت صورة قذفه من كفك، لأن هذا الأثر الذي وجد عن رميك خارق للعادة، فمن الواضح انه ليس فعلك، وهذا هو الجواب عن كونه لم يقل : فلم تقتلوهم إذ قتلتموهم، لأن زهوق النفس عن الجراح المثخن هو العادة، فهم الذين قتلوهم حين باشروا ضربهم، فلا يصح : فلم تقتلوهم حتى قتلتموهم، والمنّفي إنما هو السبب المتقدم على القتل الممكن من القتل، وهوتسكين قلوبهم الناشئ عند إقدامهم وإعاب المفار الناشئ عند ضعفهم اونهزامهم الممكن منهم، فالمنفي عنهم البداية والمنفي عنه ( ﷺ ) الغاية، أو أن الملائكة عليهم السلام لما باشرت قتل بعضهم صح أن ينفي عنهم قتل المجموع مطلقاً، أو أنهم لما افتخر بعضهم يقتل من قتل نفاه سبحانه عنهم مطلقاً لأن مباشرتهم لقتل من قتل في جنب ما أعد لهم من الأسباب وأيدهم به من الجنود عدم، وأما النبي ( ﷺ ) فإنه فعل ما أمر به من رمي الرمل ولم يعد فعله ولا ذكره، فأثبته سبحانه له مع نفي تأثيره عنه وإثباته لمن إليه ترجع الأمور تأديباً منه سبحانه لهذه الأمة، أي لا عالم مقر بأنه منا فليحذر الذي أوصل أثره بما كان نسب الرمي إليه بقوله :( ولكن الله ( اي الذي لا راد لأمره ) رمى ( لأنه الذي أوصل أثره بما كان هازماً للكفار، فعل ذلك كله ليبلي الكفار منه بأيدي من أراد من عبادة بلاء عاقبته سيئة ) وليبلي المؤمنين ) أي الراسخين في الإيمان ) منه ) أي وحده ) بلاء حسناً ) أي من النصر والغنيمة والأجر، ومادة بلاء يائية بكثرة ومحالة وعناء وهو أغلب أحوال المادة، وتارة تكون مطلقة نحو أبلاه عذراً، وتارة وما أباليه بالة - اظنة من البال الذي هو الخاطر فهو من بول لا بلو، أجوف لا من ذوات الأربعة، ومعناه : ما أفاعله بالبال، اي ما أكثرت به فما أصرف خاطري إلى مخالطة أحواله حيث يصرف خاطره إليّ أي ما أفكر في أمره لهوانه عليّ وسيأتي بسط معاني المادة إن شاء الله تعالى في سورة يوسف عليه السلام عند قوله تعالى
٧٧ ( ) ما بال النسوة ( ) ٧
[ يوسف : ٥٠ ] وهذه المادة معناها ضد الدعة، لأن هذه يلزمها شغل الخاطر الذي عنه ينشأ التعب بمدافعة الملابس، والدعة يلزمها هدوء السر وفراغ البال الذي هو منشأ الراحة، لأنه يفضي بهم إلى راحة دائمة، والدعة تقضي إلى تعب طويل - والله موفق.