صفحة رقم ١٩٩
كان أعجبكم فألزموه في المستقبل، فإني لا أجيئكم أبداً ما دمتم على حالكم إلا بما جئتكم به يومئذ، والفتح يحتمل أن يكون بمعنى النصر فيكون تهكماً بهم، وأن يكون بمعنى القضاء ولما كان سبب ما أحله بالكفار - من الإعراض عن إجابتهم فيما قصدوا من دعائهم ومن خذلانهم في هذه الوقعة وإيجاب مثل ذلك لهم أبداً - هو عصيانهم الرسول وتوليهم عن قبول ما يسمعونه منه من الروح ؛ حذر المؤمنين من حالهم بالتمادي في التنازع في الغنيمة أو غيرها فقال :( يأيها الذين آمنوا ) أي ادعوا ذلك ) اطيعوا الله ) أي الذي له جميع العز والعظمة ) ورسوله ( تصديقاًلدعواتكم الإيمان ولما كانت طاعة الرسول هي طاعة الله لأنه إنما يدعوه إليه وإنما خلقه القرآن، وحد الضمير فقال :( ولا تولوا عنه ) أي عن الرسول في حال من الأحوال، في أمر من الأوامر من الجهاد وغيره، من الغنائم وغيرها، خف أو ثقل، سهل أو صعب ) وأنتم ( اي والحال أنكم ) تسمعون ) أي لكم سمع لما يقوله، أو وأنتم تصدقونه، لأنه ارتماب شيء من ذلك يكذب دعوى الإيمان وينطبق علىأحوال الكفار، وإلى ذلك إشارة بقوله :( ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا ) أي بآذاننا ) وهم لا يسمعون ) أي لا يستجبون فكأنهم لم يسمعوا، لما انتفت الثمرة عد المثمر عدماً.
الأنفال :( ٢٢ - ٢٤ ) إن شر الدواب.....
) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( ( )
ولما كانت حال من هذا شأنه مشابهة لحال الأصم في عدم السماع لعدم الانتفاع به، والأبكم في عدم كلامه لعدم تكلمه بما ينفع، والعادم للعقل في عدم عقله لعدم انتفاعه به، قال معللاً لهذا النهي معبراً بأنسب الأشياء لما وصفهم به :( إن شر الدواب ( اي التي على وجه الأرض، جعلهم من جنس الحشرات أو البهائم ثم جعلهم شرها ولما كان لهم من يفضلهم، وكانت العبرة بما عنده سبحانه، قال تعالى :( عند الله ( اي الذي له جميع الكمال من إحاطة العلم والقدرة وغيرها ) الصم البكم ( اي الطرش الخرس طرشاً وخرساً بالغين ) الذين لا يعقلون ) أي لا يتجدد لهم عقل، ومن لم ينتفع بسماع الداعي كان كذلك