صفحة رقم ٢٠٦
ولما كان وجود مطلق الاستضعاف دالاً على غاية الضعف بنى للمفعول قوله :( مستضعفون ) أي لا منفذ عندكم ) في الأرض ( أطلقها والمراد مكة، لأنها لعظمها كأنهات هي الأرض كلها، ولأن حالهم كان في بقية البلاد كحالهم فيها أو قريباً من ذلك، ولذلك عبر الناس في قوله :( تخافون ) أي في حال اجتماعكم فكيف عند الانفراد ) أن يتخطفكم ) أي على سبيل التدريج ) الناس ) أي كما تتخطف الجوارح الصيود، فحذرهم سبحانه - بالتنبيه على قادر علىأن يعيدهم إلى ما كانوا عليه - من هذه الأحوال بالمخالفة بين كلمتهم وترك التسبب إلى اجتماعها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي ذلك أيضاً إشارة إلى أنهم لما كانوا في تلك الحالة التي هي في غاية الضعف، وكانت كلمتهم مجتمعه على أمر الله الذي هو توحيده وطاعة رسوله، أعقبهم الإيواء في دار منيعة، قد ايدهم بالنصر وأحسن رزقهم، وذلك معنى قوله تعالى مسبباً عما قلبه :( فآوكم ) أي في دار الهجرة رحمة لكم ) وأيدكم بنصره ) أي بأهلها مع الملائكة ) ورزقكم من الطيبات ( اي الغنائم الكاملة الطيبة بالإحلال وعدم المنازع التي لم تحل لأحد قبلكم وغيرها ) لعلكم تشكرون ) أي ليكون حالكم حال من يرجى شكره، فيكون بعيداً عن المنازعه في الأنفال، وذلك إشارة إلى أنهم مهما استمروا على تلك الحالة، كان - بإقبالهم على مثل ما أتاهمبه وزادهم من فضله - أن جعلهم سادة في الدارين بما يهب لهم من الفرقان الآتي في الآية بعدها والتوفيق عند إتيانه، فالآية منصبة إلى الصحابه بالقصد الأول وهي صالحة للعرب عاش شقياً ومن مات منهم تردى في النار معكوفين على رأس الحجرين الشديدين : فارس والروم، يؤكلون ولا يأكلون، وما في بلادهم شيء عليه يحسدون حتى جاء ملوكاً على قارب الناس، وبالسلام أعطى الله ما رأيتم فاشكروا الله على نعمه، فإن ربكم يحب شكره والشاكر في مزيد من الله تعالى ولما ختم الآية هو في غاية النصيحة منه تعالى لهم من الإيواء والنصر والرزق الطيب المشار به إلى الامتنان بإحلال المنعم، وختم ذلك بالحث على الشكر ؛ نهانا عن تضيع الشكر في ذلك بالخيانة في أوامره بالغلول أو غيره فقال :( يأيها الذين آمنوا ( الأعظم، فإن أصل الخون النقص ثم استعمل في ضد الأمانه والوفاء فصارت نقصاً خاصاً ) والرسول ( بغلول ولا غيره، بل أدوا الأمانه في جميع ذلك، ولعله كرر العامل


الصفحة التالية
Icon