صفحة رقم ٢١٤
فعلهم الذي يعدونه صلاة أو يبدلونها به ) إلا مكاء ) أي صفيراً يشبه صفير الطير والدبر بريح الحدث - من مكا يمكو مكواً ومكاء - إذا صفر بفيه أو شبك أصابعه ونفخ فيها، ومكت الشجرة بريحها : صوتت، والدبر بريح الحدث : صوت - قال أبو حيان : وجاء على فعال اي بالضم ويكثر فعال في الأصوات كالصراخ - انتهى.
) وتصدونه ) أي و تصفيفاً، كان أهل الجاهلية يطوفون عراة ويصرفون بأفواههم ويصفقون بأيديهم مقصورة، فيكون تصويتهم ذلك يشبه الذي رحعّ الصوت في المكان الخالي، فهو كناية عن أن صلاتهم لا معنى لها، وأصله صددد - مضاعف - إذا أعرض ومال مثل التظني من ظنن -، فهذا لهو لا عبادة وهزء لا جد مع أن الأمر جد وأيّ جد كما قال تعالى :
٧٧ ( ) أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون ( ) ٧
[ النجم : ٥٩ - ٦١ ] أي ولا تبكون في حال جدكم بدأبكم في العمل الصالح، فهذا الذي يعلمونه مناف لحال البيت فهو تخزين لا تعمير، قال مقاتل : كان النبي ( ﷺ ) إذا صلى في المسجد قام رجلان من المشركين عن يمينه يصفران ويصفقان، ورجلان كذلك عن يساره ليخلطوا عليه صلاته، وتقدير الكلام على قراءة الأعمش : صلاتهم - بالنصب : وما كان شيء إلا مكاء وتصدية صلاتهم، فنفى هما يجعلونه صلاة كل شيء إلا المكاء والتصدية، فالصلاة مقصورة عليهما بهذا الاعتبار فقد صارت بهذا الطريق بمعنى القراءة المشهورة سواء فتأمله فإنه نفيس جداً، وخرج عليه الخلاق في آية الأنعام ) ثم لم تكن فتنتهم ) [ الأنعام : ٢٣ ] زغيره، وقد مضى هناك ما ينفع هنا، ومما يجب أن يعلم أن هؤلاء لم يذمهم الله لأنه أعلى الذم، بل ذمهم لكونهمو اتخذوا العبادة لعباً لينبه بذلك على ذم من كيف إذا كان حراماً، فقبح الله قوماً ادعوا أنهم أعرضوا عن الدنيا ثم اتخذوا الطبول الجاهلية الرقص الذي ابتدعه قوم السامري لما عبدوا العجل، فأخذوا أنواعاً من أفعال أنواع من الكفرة وجعلوها عادتهم وشعارهم وديانتهم، فلقد انتهكوا حرمات الشريعة وبدلوها واستهانوا بها واسترذلوها ولما كان مساق الكلام لبيان استحقاقهم العذاب، وأنه لا مانع لهم منه وكان قد أوقع بهم في هذه الغزوة مباديه، وكانت المواجة بالتعنيف وقت إيقاع مالا يطاق بالعدو إنكاء، قال مسبباً عن قبيح كا كانوا يرتكبونه :( فذوقوا العذاب ) أي الذي توعدكم الله والذي رأيتموه ببدر وطلبتموه في استفتائكم حكم الاستهانة به ) بما كنتم تكفرون ( اي إنكم قد صرتم بهذا الفعل أهلاً لذوقه بما تسترون مما دلتكم عليه عقولكم من هذا الحق الواضح.