صفحة رقم ٢٢٩
ما كنتم به تكذبون ) ذوقوا عذاب الحريق ) أي لرأيتم منظراً هائلاً وأمراً فظيعاً.
فسركم ذلك غاية السرور، وما اثر كلامهم في غيظهم، فإنهم يعملون حينئذ من الذي غره دينه و ( لو ) وإن كانت تقلب المضارع ماضياً فلا يخلو التعبير بالمضارع في حيزها من فائدة، وهي ما ذكر من الإشارة إلى أن هذا لا يخص ميتاً منهم دون ميت، بل لا فرق بين متقدمهم ومتأخرهم، من مات ببدر أو غيرها وليس في الكلام ما يقتضي أن يكون القائلون ) غرهؤلاء دينهم ( حضروا بدراً، بل الظاهر أن قائليه كانوا بالمدينة وتعبيرهم ب ) هؤلاء ( التي هي اداة القرب للتحقير واستسهال اخذهم كما ان أداة البعد تستعمل للتعظيم ببعد الرتبة، وعلىمثل هذا يتنزل قول فرعون بعد أن سار بنو إسرائيل زماناً اقله ليلة وبعض يو كما حكاه الله عنهم
٧٧ ( ) إن هؤلاء لشرذمة قليلون ( ) ٧
[ الشعراء : ٥٤ ] على أن البغوي قد نقل في تفسير قوله تعالى
٧٧ ( ) يرونهم مثليهم رأي العين ( ) ٧
[ آل عمران : ١٣ ] أن جماعة من اليهود حضروا قتال بدر لينظروا على من تكون الدائرة.
وإذا تأملت هذا مع قوله تعالى ) كدأب آل فرعون ( علمت أن جلّ المقصود من هذه الآيات إلى قوله ) ذلك بأنهم قومك لا يفقهون ( اليهود، وفي تعبيره ب ) لا يفقهون ( تبكيت شديد لهم كما قال تعالى في آية الحشر
٧٧ ( ) لأنتم اشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون ( ) ٧
[ الحشر : ١٣ ] ولما عذبوهم قولاً وفعلاً، عللوا لهم ذلك زيادة في تأسيفهم :( ذلك ) أي هذا الفعل العظيم الذي يفعله بكم من العذاب الأليم ) بما قدمت أيديكم ( اي من الجراءة على الله ) وأن ) أي وبسبب أن له أن يفعل ذلك وإن لم تقدموا شيئاً فإن ) الله ( اي الذي له صفات الكمال ) ليس بظلام ) أي بذي ظلم ) للعبيد ( فإن ملكه لهم تام.
والمالك التام المُلك على ما يملكه المِلك الذي لا شيء يخرج عن دائرة ملكه، وهو الذي جبلكم هذه الجبلة الشريرة التي تأثرة عنها هذه الأفعال القبيحة، وهو لا يُسال عما يفعل، من الذي يسأله ويجوز أن يكون المعنى : وليس بذي ظلم لأنه لا يترك الظالم يبغي على المظلوم من غير جزاء لكم على ظلمكم لأهل طاعته، وسيأتي في ( فصلت ) حكمه التعبير بصيغة تحتمل المبالغة.
ولما بين بما مضى ما يوجب الاجتماع عليه والرجوع في كل أمر إليه، وبين أن من خالف ذلك هلك كائناً من كان ؛ أتبعه بما يبين ان هذا من العموم والاطراد بيحيث لا يخص زماناً دون زمان ولا مكاناً سوى مكان فقال تعالى :( كدأب ) أي عادة هؤلاء الكفار وشأنهم الذي دأبوا فيه وداموا وواظبوا فمونوا عليه كعادة ) آل فرعون ) أي الذين هؤلاء اليهود من أعلم الناس بأحوالهم ) والذين ( ولما كان المهلكون لأجل