صفحة رقم ٢٣٣
فمحقتهم صفة الإلهية، ولعله إنما خص آل فرعون تذكيراً - لأكثر من كان يقول ) غرَّ هؤلاء دينهم ( وهم - اليهود - بأنهم كانوا بالنسبة غلى فرعون وآلة اضعف من الصحابة رضوان الله عليهم بالنسبة إلى قريش وأتباعهم، فإن اليهود مع قلتهم عندهم كانوا قد دانوا لهم بذل العبيد لمواليهم بل أعظم، ومع ذلك فإنهم نصروا عليهم لما كان الله معهم، وإعلاماً لهم بأنهم الآن كآل فرعون في العناد مع ما هم من القلة والذلة، فقد جوعوا من كل قوم أخس صفاتهم وأردأ حالاتهم، ولذلك أبدل من عموم ) الذين كفروا ( ) الذين عاهدت منهم ( وهم اليهود بلا شك، إما بنو قينقاع أو النضير أو قريظة أو الجميع بحسب التوزيع، فكل منهم نقض ما كان اخذ عليه ( ﷺ ) من العهود، وأخلف ما كان أكده من الوعود.
ولما كان العهد جديراً بالوفاء ولا سيما من العلماء، عبر بقوله :( ثم ينقضون عهدهم ( اي يجدون نقضه كلما لاح لهم خلب برق أو زَور بطل يغير في وجه الحق ؛ ثم عظم الشناعة عليهم بقوله :( في كل مرة ( ثم نبه على رضاهم من رتبة الشرف العلية القدر وهدةَ السفه والسرف بعدم الخوف من عاقبة الغدر بقوله :( وهم لا يتقون ( اي الناس في الذم لهم على ذلك ولا الله في الدنيا بأن يمكن منهم، ولا في الآخرة بأن يخرجهم ثم يركسهم بعد المناداة بالعار في النار ولما أيأسه من تقواهم بما اشتملوا عليه من تكرير النقض الناشئ عن غاية الحسد وصلابة الرقاب وقساوة القلوب والقساوة على الكفر، أمره بما يوهن قواهم ويحل عراهم من إلياس اليأس بإنزال البأس كما جرت عادته سبحانه أنه يوصيه بالرفق ببعض الناس لعلمه أن عمله يزكو لبنيانه على أحسن أساس، فقال مؤكداً لأجل ما جبل عليه ( ﷺ ) من محبة الرفق :( فإما تثقفهم ) أي تصادفنهم وتظفرن بهم ) في الحرب ( اي التي من شأنها أن يحرب فيها المبطل، ويربح المحق المجمل ) فشرد بهم من خلفهم ) أي فنكل بهم تنكيلاً يصدع ويفرق عن محاربتك من وراءهم ممن هو على مثل رأيهم في المنافرة لك ولا تتركنهم اصلاً لأن أتباعك أمهر منهم وأحذق، فهم لذلك أثبت وأمكن، فإذا أوقعت بهم ذلك لم يجسر عليك أحد بعده اتعاظاً بهم واعتباراً بحالهم ؛ ومادة شرد بكل ترتيب تدور على النفوذ، فإن كان على قصد وسنن فهو رشد ويلزمه الاجتماع، وإن كان غير سنن وجامع استقامة فهو شرود، فأما قوله لجاحة يلزمه التفرق ؛ قال ابن فارس : شرد البعير شروداً وشردت به تشؤيداً، فأما قوله ) فشرد بهم فالمراد نكل بهم وسمّع، قال القزاز : شردت الرجل تشريداً - إذا طردته، وشردت به - إذا سمّعت به وذكرت عيوبه للناس، وقوله تعالى ) فشرد بهم ) أي اجعلهم