صفحة رقم ٢٦٦
الظاهر للمعاهدين وفي الباطن مشيرة إلى أهل الردة وأن لا يقبل منهم إيمان ما لم يجمعوا بين الصلاة والزكاة كما فهم أبو بكر رضي الله عنه، وأقيمت على ذلك قرائن منها تكرير الجمع بين الصلاة والزكاة في سياق الإيمان تكريراً لم يكن في غيرها من السور، فهي من أعلام النبوة ؛ وروى أبو محمد إسحاق بن إبراهيم القاضي البستي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن هذا الإسلام ثلاثون سهماً : عشر منها في براءة، وعشر في الأحزاب، وعشر في المؤمنين وسأل سائل ولما أعلمهم سبحانه بأنه رد إليهم عهدهم، وكانوا مختلطين مع أهل الإسلام، جعل لهم مخلصاً إن آثروا البقاء على الشرك مع إعلامهم بأنه لا خلاص لهم لأنهم في قبضته، فقال مخاطباً لهم ولكل مشرك مسبباً عن البراءة :( فسيحوا ( والسياحة : الاتساع في السير ةالبعد عن المدن والعمارة مع الإقلال من الطعام، والشراب، ولذلك يقال للصائم : سائح : والمراد هنا مطلق السير ولما كانت السياحة تطلق على غيره، حقق المعنى بقوله :( في الأرض ( اي في ايّ جهة شئتم ) أربعة أشهر ) أي من أيام الحج، فيكون آخرها عاشر شهر ربيع الآخر، تأمنون فيها امناً لا نعرض لكم بسوء، بل تذهبون فيها حيث شئتم، أو ترمون حصونكم وتهيئون سلاحكم وتلمون شعثكم لا نغدركم، لأنديننا مبني على المحاسن، ولولا أن الأمر يتعلق بنفوسنا ما نبذل عهدكم ولا نقضنا عقدكم، ولكن الخطر في النفس وقد ظهرت منكم أمارات الغدر ولوائح الشر ( وعن أيّ بعد نفسي اقاتل ) فإذا نقضت الأربعة الشهر فتهيؤوا لقتالنا وتدرعوا لنزالنا ولما كان الإسلام قد ظهر بعد أن كان خفياً، وقوي بعد أن كان ضعيفاً، افتتح وعظهم بالكلمة التي تقال اولاً لمن يراد تقريع سمعه وإيقاض قلبه وتنبيهه على أن ما بعدها أمر مهم ينبغي مزيد الاعتناء به فقال :( واعلموا أنكم ) أي أيها الكفرة وإن كثرتم ) غير معجزي الله ( لأن علمه محيط بكل شيء فهو قادر على كل ممكن ) وأن الله ( اي لما له من الإحاطة بالجلال والإكرام ) مخزي الكافرين ) أي كلهم منكم ومنوغيركم في الدنيا والآخرة لأن قوله قد سبق بذلك، ولا يبدل القول لديه، والإخزاء : الإذلال مع إظهار الفضيحة والعار - وأظهر الوصف موضع الضمير تعميماً وتعليقاً للحكم به ؛ ولعل الالفات إلى الخطاب إشارة إلى أن من ترك أمر الله حدباً على قريب أو عشير فهو منهم، وقد برئت منه الذم "، فلينج بنفسه ولا نجاء له، أو يكون لا ستعطاف الكفار تلذيذ الخطاب وترهيبهم بزواخر العقاب.


الصفحة التالية
Icon