صفحة رقم ٢٩٢
٧٧ ( ) وأولو الأرحام بعضهم أولى بعض ( ) ٧
[ الأنفال : ٧٥ ] - الآية الوالية لبيان المؤمنين حقاً وإشارة إلى أنه يضلهم ولا يهديهم لما تقدم من الخبر بأنه لا يهدي الظالمين.
ولما كانت الأنفس مختلفةالهمم متباينة السجايا والشيم، كان هذا غير كافٍ في التهديد لكلها، فأتبعه تهديداً أشد منه بالنسبة إلى تلك النفوس فقال متنقلاً من أسلوب الإقبال إلى مقام الإعراض المؤذن بزواجر الغضب :( قل ) أي يا أعظم الخلق شفقة ورفقاً ونصيحة لمن لم يُزعمه ما تقدم من الزواجر أنه يجب تحمل جميع هذه المضار في الدنيا ليبقى الدين سالماً ولا ينثلم ) إن كان آباؤكم ) أي الذين أنتم أشد شيء توقيراً لهم ) وأبناؤكم ) أي الذين هم اعز الناس لديكم وأحبهم إليكم ) وإخوانكم ( اي الذين هم من اصولكم فهم كأنفسكم ) وأزواجكم ) أي اللاتي هن سكن لكم ) وعشيرتكم ) أي التي بها الراحة وقيام العز والمنعة وهم أهل الإنسان الأدنون الذين يعاشرونه.
ولما تقدم سبحانه ما هو مقدم على المال عند أولي الهمم العوال قال :( وأموال اقترفتموها ) أي اكتسبتموها بالمعالجة من الأسفار وغيرها لمعاشكم ) وتجارة تخشون كسادها ) أي لفوات أوقات نفاقها بسبب اشتغالكم بما ندب الله سبحانه إليه فيفوت - على ما تتوهمون - ما به قوامكم ) ومساكن ترضونها ) أي لأنها مجمع لذلك كله، ولقد رتبها سبحانه أحسن ترتيب، فإن الأب أحب المذكورين لما هنا من شائبة النصرة، وبعده الابن ثم الأخ ثم الزوج ثم العشير الجامع بالمسكن لأنه الغاية التي كل ما تقدم أسباب للاسترواح فيه والتجمل به ) أحب إليكم من الله ) أي الجامع لصفات الكمال الذي أنعم عليكم بجميع ماذكر، ومتى شاء سلبكموه ) ورسوله ) أي الذي أتاكم بما به حفظ هذه النعم في الدارين ) وجهاد في سبيله ) أي الرد الشارد من عباده إليه وجمعهم عليه، وفي قوله - :( فتربصوا ) أي انتظروا متربيصين - تهديد بليغ ) حتى يأتي الله ) أي الذي له الإحاطة بكل شيء ) بأمره ) أي الذي لا تبلغه اوصافكم لا تحتمله قواكم. ولما كان من آثر حب شيء من ذلك على حبه تعالى، كان مارقاً من دينه راجعاً إلى دين من آثره، وكان التقدير : فيصيبكم بقارعة لا تطيقونها ولا تهتدون إلى دفعها بنوع حلية، لأنكم اخترتم لأنفسكم منابذة الهداية ومعلوم أن من كان كذلك فهو مطبوع في الفسق، عطف عليه قوله :( والله ) أي الجامع لصفات الكمال ) لا يهدي القوم ( اي لايخلق الهداية في قلوب ) الفاسقين ( اي الذين استعملوا ما عندهم من قوة القيام فيما يريدون من الفساد حتى صار الفسق - وهو الخروج مما حقه لالمكث فيه و التقيد به وهو هنا الطاعة - خلقاً من أخلاقهم ولازماً من لوازمهم، بل يكلمهم إلى نفوسهم فيسخروا الدنيا والآخرة.