صفحة رقم ٢٩٤
أنتم فيه لفرط الرعب، فما ضاق في الحقيقة إلا ما كان من الآمال التي سكنت إلى الأموال والرجال، ولعل عطفه - لتوليهم بأداة التراخي في قوله :( ثم وليتم ) أي تولية كثيرة ظهوركم الكفار، وحقق ذلك بقوله :( مدبرين ) أي انهزاماً مع أن الفرار كان حين اللقاء لم يتأخر - إشارة إلى ما كان عندهم من استعباده اعتماداً على القوة والكثرة ) ثم أنزل الله ) أي الذي له الإحاطة بصفات الكمال ) سكينته ) أي رحمته، وهي الأمر الذي يسكن القلوب عن أن تتأثر يدهمها من البلاء من الوثوق به سبحانه ومشاهدة جنابة الأقدس والغناء عن غيره.
ولما كان المقام للرسالة، وكان تأييد مدعيها من أمارات صدقه في دعوى أنه رسول، وأن مرسله قادر على ما يريد لا سيما إن كان تأييده على وجه خارق للعادة، عبر به دون وصف النبوة فقال :( على رسوله ) أي زيادة على ما كان به من السكينة التي لم يحز مثلها أحد، ثبت بها الثلاثين ألفاً أو عشرين أو أربعة آلاف على اختلاف الروايات في عشرة أنفس أو مائة أو ثلاثمائة - على الاختلاف ايضاً، لم يكن ثباتهم إلا به، ثم لم يزده ذلك إلا تقدماً حتى أن كان العباس عمه وأبو سفيان بن الحارث ابن عمه رضي الله عنهما ليكفيان بغلته عن بعض التقدم، ولعل العطف ب ( ثم ) إشارة إلى علو رتبة ذلك الثبات واستبعاد أن يقع مثله في مجاري العادات ) وعلى المؤمنين ) أي أما من كان منهم ثابتاً فزيادة على ما كان له من ذلك، وأما غيره فأعطي ما لم يكن في ذلك الوقت له، وذلك انه ( ﷺ ) قال لعمه العباس رضي الله بعدما فر الناس : ناد فيهم يا عباس فنادى وكان صيتاً : ياعباد الله يا اصحاب الشجرة يا أصحاب سورة البقرة فكروا عنقاً واحداً يقولون : لبيك لبيك ويحتمل أن يكون ذكر الرسول عليه السلام لمجرد التبرك كما في ذكر الله في قوله :
٧٧ ( ) فإن الله خمسة ( ) ٧
[ الأنفال : ٤١ ] وزيادة في تعظيم الامتنان به لأن النفوس إلى ما أعطى منه الرسول أميل والقلوب له اقبل لاعتقاد جلاله وعظمته وكماله ) وأنزل ) أي من السماء ) جنوداً لم تروها ) أي من الملائكة عليهم السلام ) وعذب ) أي بالقتل والأسر والهزيمة والسبي والنهب ) الذين كفروا ( عبر بالفعل لأن فيهم من آمن بعد ذلك.
ولما كان ما عذب به من اوجد مطلق هذا الوصف عظيماً، اتبعه بيان جزاء العريق في ذلك ترهيباً لمن آثرحب شيء مما مضى على حب اله فقال :( وذلك ) أي العذاب


الصفحة التالية
Icon