صفحة رقم ٢٩٨
للبحر معه حتى وقع في بحر مصر والشام، ثم اقبل ذلك البحر من مصر حتى بلغ بلاد فلسطين فمر بعسقلان وسواحلها، واتى على بيروت ونفد إلى سواحل حمص وقنسرين حتى خالط الناحية التي أقبل منها الفرات منحطاًعلى أطراف قنسرين والجزيرة إلى سواد العراق، واقبل جبل السراة من قعرة اليمن حتى بلغ أطراف الشام فمسته العرب حجازاً لأنه حجز بين الغور ونجد فصار ما خلف ذلك الجبل في غربيه الغور وهو تهامة، وما دونه في شرقيه نجداً.
انتهى.
ولما كان ماوالاها من ارض الشام ونحوها كله انهاراً أو جداول، جعل كأنه بحر لأنه في حكم شاطئه، ولما كان قوامهم بالمتاجر، وكان قوام المتاجر وانعدام الرباح المفضي إلى الحاجة وكان قد أمر بنفيهم رعاية لأمر الدين، وكان سبحانه عالماً بأن ذلك يشق على النفوس لما ذكر من العلة ولا سيما وقد قال بعضهم لما أقرأ علي رضي الله عنه آيات البراءة على اهل الموسم : يأهل مكة ستعلمون ما تلقونه من الشدة بانقطاع السبيل وبُعد الحمولات، وعد سبحانه - وهو الواسع العليم - بما يغني عن ذلك، لأن من ترك الدنيا لأجل الدين اوصله سبحانه إلى مطلوبه من الدنيا مع ما سعد به من أمر الدين ( من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ) فقال :( وإن خفتم ( اي بسبب منعهم به قربان المواطن الإلهية ) علية ) أي فقراًوحاجة ) فسوف يغنيكم الله ) أي هو ذو الجلال والإكرام ) من فضله ( وهو ذو الفضل والطول والقوة والحول ولما كان سبحانه الملك الغني القادر القوي الذي لا يجب لحد عليه شيء وتجب طاعته على كل شيء، نبه على ذلك بقوله :( إن شاء ( ولما كان ذلك عندهم مستعبداً، علل تقريباً بقوله :( إن الله ) أي الذي له الإحاطة الكاملة ) عليم ( اي بوجوه المصالح ) حكيم ( اي في تدبير استجلابها وتقدير إدرارها ولقد صدق سبحانه ومن اصدق منه قيلاً فإنه اغناهم - بالمغانم التي انتثلها بأيديهم بعد نحو ثلاث سنين من إنزالها من كنوز كسرى وقيصر - غنى لم يطرق أوهامهم قط، ثم جعل ذلك سبباً لاختلاط بعض الطوائف من جميع الناس ببعض لصيرورتهم إخواناً في الدين الذي كان سبباً لأن يجتمع في سوق منى وغيره في ايام الحج كل عام من المتاجر مع الغرب والعجم ما لا يكون مثله في بقعة من الأرض، والعلية : الفاقة والافتقار، ومادتها بهذا الترتيب تدور على الحاجة وانسداد وجوه الحلية وقد تقدم أول النساء انها - لا بقيد ترتيب - تدور تقاليبها الثمانية على الارتفاع ويلزمه الزيادة زالميل، ومنه تأتي الحاجة، وبرهن على ذلك في جميع الجزيئات.


الصفحة التالية
Icon