صفحة رقم ٣٣١
إحاطة الفتنة - التي اسقطوا انفسهم فيها - بهم، وإنما قال :( بالكافرين ( تعميماً وتنبيهاً على الوصف الذي حملهم على ذلك.
ولما كان كأنه قيل : ما الفتنة التي سقطوا فيها فاحاطت بهم جهنم بسببها ؟ قيل :( إن ) أي هي كونهم أن، ويجوز أن يكون علة لإحاطة جهنم بهم، وكأنهم - لأجل أنهم من الأوس والخزرج فالأنصار إقاربههم - خصوا النبي ( ﷺ ) بالعدواة وشديد الحنق، وكذا ايضاً كان لا يسوءهم ويسرهم من الحسنة والسيئة إلا ما له وقع - بما اذن له التعبير بالإصابة دون المس - لا ما دونه، حفظاً لقلوب أقاربهم ورعياً لأسرار نسائهم، فقال إشارة إلى ذلك :( تصبك ) أي بتقدير الله ذلك ) حسنة ) أي بنصر أو غيره ) تسؤهم ) أي لما في قلوبهم من الضغن والمرض ) قد اخذنا أمرنا ) أي عصينا الذي امرنا ولم نسلم قيادنا لأحد فنكون كالأعمه، لأن الأمر الحادثة وضد النهي، ومنه الأمير، رجل إمرّ وإمرة - بتشديد الميم المفتوحة مع كسر الهمزة وتفتح : ضعف الرأي، يوافق كل أحد على ما يريد من امره كله، وهو الأعمه وزناً ومعنى ) من قبل ) أي قبل ان تكون هذه المصيبة، فلم نكن مؤتمرين بأمر فيصيبنا بيد الآمر، فلما عصوه كانوا كأنهم قد أخذوه منه.
ولما كان قولهم هذه بعيداً عن الاستقامة، فكانجديراً بأن لا يقال، وإن قيل كان حقيقاً بأن يستقال بالمباراة إلى الرجوع عنه والاستغفار منه، اشار تعالى إلى تماديهم فيه فقال :( ويتولوا ) أي عن مقامهم هذا الذي قالوا فيه ذلك وإن طال إلى أهاليهم ) وهم فرحون ) أي لمصيبتهم لكفرهم ولخلاصهم منها.
ولما كان قولهم هذا متضمناً لتوهم القدرة على الاحتراس من القدر، قال تعالى معلماً بجوابهم مخاطباً للرأس لعلو المقام :( قل ) أي إنا نحن لا نقول مقالتكم لمعرفتها بأنا لا نملك ضراً ولا نفعاً، بل نقول :( لن يصيبنا ( اي من الخير والشر ) إلا ما كتب ) أي قدر ) الله ) أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً، ولما كان قضاء الله كله خيراً للمؤمن إن اصابته سراء شكر وإن اصابته ضراء صبر، عبر باللام فقال :( لنا ) أي لا يقدر على رده عنا إلا هو سبحانه ) هو ) أي وحده ) لنا ) أي لا جميع امورنا، لا قريب منا سواه، فلو أراد لدفع عنا كل مصيبة لأنه أقرب إلينا منها، لا نصل إلينا بدون علمه وهو قادر، فنحن نعلم ان له في ذلك لطيف سرية تتضاءل دونها ثواقب الأفكار وتخسأ عن الإحاطة بتحقيقها نوافذ الأبصار فنحن لا نتهمه في قضائه لأنا