صفحة رقم ٣٤
غير موضعه كفعل من يمشي في الظلام، يجوز أن يكون نبه سبحانه بتغاير الأوصاف على تلازمها، فمن كان ظالماً لزمه الإجرام والتكذيب والاستكبار وبالعكس ولما أخبر عن أحوالهم ترهيباً ؟ أتبعه الإخبار عن أحوال المؤمنين ترغيباً فقال ) والذين آمنوا ( في مقابلة ) الذين كذبوا ( ولما قال :( وعملوا ) أي تصديقاً في مقابلة ) الذين استكبروا ( ) الصالحات ( وكان ذلك مظنة لتوهم أن عمل جميع الصالحات - لأنه جمع محلى بالألف واللام - شرط في دخول الجنة ؛ خلل ذلك بجملة اعتراضية تدل على التخفيف فقال :( لا نكلف نفساً إلا وسعها ( وترغيباً في اكتساب مالا يوصف من النعيم بما هو في الوسع ) أولئك ) أي العاتلوا الرتبه ) أصحاب الجنة ( ولما كانت الصحبة تدل على الدوام، صرح به فقال :( هم فيها خالدون. (
الأعراف :( ٤٣ - ٤٦ ) ونزعنا ما في.....
) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ( ( )
ولما كانت الدار لا تصب إلا بحسن الجوار قال :( ونزعنا ) أي بما لنا من العظمة التي لا يعجزها شيء ) ما ( كان في الدنيا ) في صدورهم من غل ) أي ضغينة وحقد وغش من بعضهم على بعض يغل أي يدخل بلطف ألى صميم القلب ومن الغلول، وهو الوصول بالحيلة إلى الذنوب الدقيقة ويقال : غل في الشيء وتغلغل فيه إذا دخل فيه بلطافة كالحب يدخل في صميم الفؤاد، حتى أن صاحب الدرجة السالفة لا يحسد صاحب العاليه ولما كان حسن الجوار لا يلذ إلاّ بطيب القرار باحكام الدار وكان الماء سبب العمارة وطيب المنازل، وكان الجاري من اعم نغعاً وأشد استجلاباً للسرور قال تعالى ) تجري من ( وأشار إلى علومهم بقوله :( تحتهم الأنهار ( فلما تمت لهم النعمة بالماء الذي به حياة كل حياة كل شيء فعرف أنه يكون عنه الرياض والشجار وكل ما به حسن الدار، أخبر عن تعاطيهم الشكر لله ولرسوله المستجلب للزيارة بقوله :( وقالوا الحمد ( الإحاطة بأوصاف الكمال ) لله ) أي المحيط بكل شيء علماًُ وقدرة لذاته لا لشيءآخر ؛