صفحة رقم ٣٤٠
الناجم العقل للنظر في حقائق المحسوسات، وذلك هو السن الذي يسعون فيه ) الذينآمنوا ( وهوأول سن التلقي، فلذلك جميع آداب القرىن وتعليمه إنما مورده أهل هذا السن، كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول : إذا سمعت الله عزل وجل يقول ) يأيها الذين آمنوا ( فأعرها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهي عنه، وكما ان ما يخص البالغ، كذلك خطاب ) الذين آمنوا ( لم يصل إليه الناس بعد، وخطاب الناس قد جاوزه ) الذين آمنوا ( لأنهم قد انزجروا بما قبلت قلوبهم عما ينزجر عنه الناس، وقد ائتمروا بما يأتمر به الناس ؛ وهذه الأسنان الخالية عند اولي البصائر، وخاص خطابها أشد ظهوراً من اسنان الأبدان عند أصحاب الأبصار، وعدم التبصرة بهذه المراتب في الأحوال والبيان هي أقفال القلوب المانعة من تدبر القرآن، وكذلك ما فوق سن ( الذين آمنوا ) من سن ) الذين يؤمنون ( وهم في أول حد القرب منزلة بلوغ الأشد، وسن ) الذين آمنوا ( و ) الناس ( في مدد حد البعد ولذلك يخاطبون بحرف ( يا ) المرسلة إلى حد البعد :
٧٧ ( ) يا أيها الذين آمنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم تؤمنون بالله ورسوله ( ) ٧
[ الصف : ١٠ ] وفوق ذلك سن المؤمنين وأدنى قرباً، ولذلك لم يرد في القرآن في خطابهم ) يا ( البعد، وهذا السن بمنزلة الاكتهال وسن الشيب، وتمام سنهم ) المؤمنون حقاً ( وكذلك إلى سن ) المحسنين ( إلى غيب سن ) الموقنين ( إلى ما وراء ذلك، فإن أسنان الجسم أرابيع، وأسنان القلب اسابيع، يعرفها من تطور فيها، ويجهلها من نبت سن قلبه على الجهل وتطور سن جسمه إلى الهرم ( يهرم ابن آدم ويشيب منه اثنتان : الحرص والأمل ) فالحرص فقره ولو ملك الدنيا، والأمل همه وتعبه، فمن لم يتحقق اسنان القلب وتفاوت خطابها لم ينفتح له الباب إلى فهم القرآن، ومن لم يتضح له انتهى.
ولما بين ما لمن صدقه باطناً أو ظاهراً من الرحمة، بين ما على من كذبه فآذاه من النفقه فقال :( والذين يؤذون ) أي هؤلاء ومن غيرهم ) رسول الله ) أي الذي اظهر - وهوالملك الأعلى - شرفه وعظمته بالجمع بين الوصفين وأعلاه بإضاففته إليه، وزاد في رفعته بالتبير باسمه الأعظم الجامع، وهو واسطة بين الحق والخلق في إصلاح أحوالهم فغنما يستحق منهم الشكر والإكرام لا الأذى والإيلام ولما كان أذاهم مؤلماً جعل جزاءهم من جنسه فقال :( لهم عذاب أليم ( ثم علل ذلك باستهانتهم بالله ورسوله، واخبر يخشون على دمائهم فيصلحون ظواهرهم


الصفحة التالية
Icon