صفحة رقم ٣٧٣
لأنفسهم بالتخلف عن سبب السعادة مع الكون في عداد المخدرات بما هو عار في الدنيا ونار في العقبى.
ولما أبهم فاعل الطبع، نفى دقيق العلم فقال :( فهم ) أي بسبب هذا الطبع ) لا يفقهون ) أي لا فقه لهم يعرفون به ما في الجهاد من العز والسعادة في الدارين، وما في التخلف من الشقاء والعار فلذلك لا يجاهدون، فلاشيء اضر من هذه الأموال والأولاد التي أبعدت وألزمت المذام والقوادح، فقد اكتنفت آية الأموال في اول قصة وآخرها ما يدل على مضمونها.
ولما افتتح القصة بمدح المتقين لمسابقتهم إلى الجهاد من دون استئذان ختمها بذلك وذكر ما أعد لهم فقال معلماً بالغنى عنهم بمن هو الخير المحض تبكيتاً لهم وتقريعاُ :( لكن الرسول ) أي والذي بعثه لرد العباد عن الفساد إلى السداد ) والذين آمنوا ) أي إيماناً عظيماً كائناً أو كائنين ) معه ) أي مصاحبين له ذاتاً وحالاً في جميع ما ارسلناه إليهم به ) جاهدوا بأموالهم وأنفسهم ) أي بذلوا كلاًّ من ذلك في حبه ( ﷺ ) فتحققوا بشرط الإيمان و ( لكن ) واقعة موقعها بين متنافسين لأن ما مضى من حالهم كله ناطق بأنهم لم يجاهدوا ولما كان السياق لبخلهم بالنفس والمال، ولسلب النفع من اموالهم وأولادهم، اقتصر في مدح أوليائه على الجهاد بالنفس والمال ولم يذكر السبيل وقال :( أولئك ( دالاً على أنه معطوف على ما تقديره : فأولئك الذين نورت قلوبهم فهم يفقهون، وقوله :( لهم ) أي لا لغيرهم ) الخيرات ( تعرض بذوي الأموال من المنافقين لأن الخير يطلق على المال وتحليته ب ( ال ) على استغراقه لجميع منافع الدارين، والتعبير بأداة البعد إشارة إلى علو مقام أوليائه وبعد مناله إلا بفضل منه تعالى، وكذا التعريض بهم بقوله :( وأولئك هم ) أي خاصة ) المفلحون ) أي الفائزون بجميع مرادهم، لا غيرهم ؛ ثم بين الإفلاح الأعظم بقوله :( أعد الله ) أي الذي له صفات الكمال ) لهم ) أي الآن لينعمهم بها بعد موتهم وانتقالهم من هذه الدار التي هي معدن الأكدار ) جنات تجري ( اي دائماً ) من تحتها ( اي مع قربها ) الأنهار ( ثم عرض بهذه الدنيا لسريعة الزوال فقال :( خالدين فيها ( ثم رغب فيها بقوله :( ذلك ( اي الأمر العالي الرتبة ) الفوز العظيم ) أي لا غيره.
ولما ختم قصص أهل المدر بذم أولي الطول منهم بتخلفهم، وكان ذمهم إنما هو لكونهم قادرين على الخروج في ذلك الوجه، وقدمهم لكثرة سماعهم للحكمة، وكان اهل الوبر أقدر الناس على السفر لأن مبنى أمرهم على الحل والارتحال، فهم أجدر


الصفحة التالية
Icon