صفحة رقم ٣٧٩
على هذا الترتيب : ثم عطف عليه ما يثمره الإيمان فقال :( ويتخذ ) أي يحث نفسه ويجاهدها أن عرضت له الوساوس الشيطانية على أن يعد ) ما ينفق ) أي فيما امر الله به ) قربات ( جمع قربة لما تقرب إليه سبحانه ) عند الله ( اي الذي وظيفته التبليغ فهو لا يقول لهم شيئاً إلا عن الله، واطلق القربة والصلاة على سببها.
ولما أخبر عن أفعالهم، أخبر عن عاقبتهم ومآلهم ؛ قال مستأنفاً محققاً لرجائهم ترغيباً في الصدقة بأبلغ تأكيد لما لأعدائهم من التكذيب :( ألا إنها ) أي نفقاتهم ) قربة لهم ) أي كما أرادوا ؛ ثم بين ثمرة كونها قربة بقوله :( سيدخلهم الله ) أي الذي له صفات الكمال بوعد لا خلف فيه ) في رحمته ) أي إكرامه فتكون محيطة بهم ثم علل ذلك بقوله معبراً بالاسم الأعظم تنبيهاً على انه لا يسع الإنسان إلا العفو وإن أعظم الاجتهاد :( إن الله ( اي الذي الذي لا يقدر أحد على أن يقدره حق قدره ) غفور ( اي بليغ الستر لقبائح من تاب ) رحيم ) أي بليغ الإكرام، ذلك وصف له ثابت، يجلله كل من يستأهله.
ولما ذكر القسم الصالح منهم وكانوا متفاوتين فمنهم السابق وأكثرهم التابع اللاحق، أتبعه السابقين على وجه شامل حاصر لصنفي البادي والحاضر إشارة إلى أنه - وإن أجره - أصله فقد قدمه وصفه بحيث ساوى أهل الكمال في مطلق الانخراط في ملكهم والفوز بدرجتهم لإحسانه في اتباعه ترغيباً لأهل القدرة والرحمة في اتباع أهل الرضوان والنعمة فقال :( والسابقون ( ولما دل على سبقهم بالعلو في مراتبه دل على قديم دخولهم فيه فقال :( الأولون ) أي إلى هذا الدين القيم ) من المهاجرين ) أي الدار الكفر فضلاً عن أهلها ) والأنصار ) أي الذين آووا نصروا ) والذين اتبعوهم ) أي الفريقين ) بإحسان ) أي في اتباعهم فلم يحولوا عن شيء من طريقهم ) رضي الله ( اي الذي له لاكمال كله ) عنهم ( اي بافعالهم هذه التي هي وفق ما أمر به ) ورضوا عنه ( اي بما أتاهم عنه من البشرى وقذف في قلوبهم من النور بلطيف الوعظ والذكرى ) وأعد لهم ( اي جزاء على فعلهم ) جنات تجري ( ونبه على عموم ريّها وكثرة مائها بنزع الجار على قراءة الجماعة فقال :( تحتها الأنهار ) أي هي كثيرة المياه.
فكل موضع أردته نبع منه ماء فجرى منه نهر ؛ ولما كان المقصود من الماء إنما هو السهولة في إنباطه بقربه ويسر جريه وانبساطه أثبته ابن كثير دلالة على ذلك كسائر المواضع، ولعل تخصيص هذا