صفحة رقم ٣٨١
هددهم وبين خسارتهم بقوله :( نحن ) أي خاصة ) نعلمهم ( ثم استأنف جزاءهم بقوله :( سنعذبهم ) أي بوعد لا خلف فيه ) مرتين ) أي إحداهما برجوعك سالماً وشفوف أمرك وعلو شأنه وضخامة أركانه وعز سلطانه وظهور برهانه، فإنهم قطعوا لغباوتهم وجلافتهم وقسلوتهم كما أشرت إليه بقولي ) ويتربص بكم الدوائر ( - انك لا ترجع هذه المرة من هذه السفرة لما يعرفونه من ثباتك للأقران، وإقدامك على الليوث الشجعان، واقتحامك للأهوال، إذا ضاق المجال، ونكص الضراغمة الأبطال، ومن عظمة الروم وقوتهم وتمكنهم وكثرتهم، وغاب عن الأغبياء وخفى عن الأشقياء الأغنياء أن الله الذي خلقهم أعظم منهم وأكبر، وجنوده أقوى من جنودهم وأكثر ؛ والثانية بعد وفاتك بقهر أهل لردة ومحقهم ورجوع ما أصلته بخليفتك الصديق رضي الله عنه إلى ما كان عليه في أيامك من الظهور وانتشار الضياء والنور والحكم على خالفه بالويل والثبور، وسيأتي أنه يمكن أن تكون المرة الثانية إخراب مسجد الضرار والإخبار بما أضمروا في شأنه من خفي الأسرار ) ثم يردون ) أي بعد الموت ) إلى عذاب عظيم ) أي لا يعلم عظمة حق علمه إلا الله تعالى، وهو العذاب الأكبر الدائم الذي لا ينفك أصلاً.
ولما ذكر هذا القسم المارد الجافي، ثنى بمقابلة اللين الصافي، وهي الفرقة التي نجز المتاب عليها والنظر بعين الرحمة إليها فقال :( وآخرون ) أي ممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة آخرون ) اعترفوا بذنوبهم ) أي كلفوا أنفسهم ذكرها توبة منهم ندماً وإقلاعاً وعزماً ولم يفزعوا إلى المعاذير الكاذبة وهو المتقصدون.
ولما كان الخلط جمعاً في امتزاج، كان بمجرد ذكره يفهم أن المخلوط امتزاج بغيره، فالإتيان بالواو في ) آخر ( يفهم أن المعنى :( خلطوا عملاً صالحاً ( بسيئ ) وآخر سيئاً ( بصالح، فهو من ألطف شاهد لنوع الاحتباك، ولعل التعبير بما أفهم ذلك إشارة إلى تساوي العلمين وأنه ليس أحدهما بأولى أحدهما بأولى من الآخر أن يكون أصلاً، وقد فسرها النبي ( ﷺ ) بذلك في أناس رآهم في المنام شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح