صفحة رقم ٤٠٠
كلامنا فلبثت كذلك حتى طال عليّ َ الأمر، وما من شيء أهم إلي من أن أموت فلا يصلي عليّ النبي ( ﷺ ) أو يموت النبي ( ﷺ ) فأكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلي عليّ، فأنزل الله عز وجل توبتنا على نبيه ( ﷺ ) حين بقي الثلث الآخر من الليل ورسول الله ( ﷺ ) عند أم سلمة رضي الله عنها، وكانت أم سلمة محسنة في شأني معنية في أمري فقال رسول الله ( ﷺ ) :( ياأم سلمة تيب على كعب، ) قالت : أفلا أرسل إليه فأشره ؟ قال :( إذن يحطكم الناس فيمنعوكم النوم سائر الللية ) حتى إذا ( ﷺ ) صلاة الفجر آذن بتوبة الله علينا، وكان إذا استبشر استنار وجهه كتى كأنه قطعة من القمر، وكنا - أيها الثلاثة الذين خلفوا - خلفنا عن الأمر الذي قبل من هؤلاء الذين اعتذروا حين أنزل الله لنا التوبة، فلما ذكر الذين كذبوا رسول اله ( ﷺ ) من المختلفين واعتذروا بالباطل ذكروا بشر ما ذكر به أحد، قال الله عز وجل ) يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم (.
ولما كان ما نالهم من الأهوال إنما نالهم بتخلفهم عن أشرف الخلق، والذي التفت بهم إلى مرابع الإقبال إنما هو الصدق، قال تعالى ناهياً بصيغة الخبر ليكون أبلغ، جامعاً إليهم من كان على مثل حالهم في مطلق التخلف :( ما كان ) أي ما صح وما انبغى بوجه من الوجوه ) لأهل المدينة ) أي التي هي سكن رسول الله ( ﷺ ) وهي دار الهجرة ومعدن النصرة ) ومن حولهم ) أي في جميع نواحي المدينة الشريفة ) من الأعراب ) أي من سكان البوادي الذين أقسموا بالإسلام ) أن يتخلفوا ( اي في أمر من الأمور ) عن رسول الله ) أي الملك الأعلى، ومن شأن المرسل إليه أن لا يبرح عن جنان الرسول لا سيما وهو رأس الصادقين الذين وقع الأمر بالكون معهم ) ولا يرغبون ( اي وما كان لهم أن يرغبوا، لعله قللهم بصيغة القلة بالنسبة غلى من أيده به ( ﷺ ) جنوده فقال تعالى :( بأنفسهم عن نفسه ) أي التي هي أشرف النفوس مطلقاً بأن يصونوا نفوسهم عما باشره ( ﷺ ) بل يلقونها في المتالف دونه وصيانة لنفسه الشريفة عن أدنى الأذى، فهى كالتعليل للأمر بالتقوى أي خافوا الله وأصدقوه كما صدق هؤلاء ليتوب عليكم كما تاب عليهم فإنه لم يكن لكم التخلف فهو نهي بليغ مع تقبيح وتوبيخ وإلهاب.