صفحة رقم ٤٠٩
ماتؤمنون ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون ( ) ٧
[ الحاقة : ٢٤، ٤١ ] فكما أن قول الشاعر غتيانه بالكلام موزوناً، فكذلك قول الكاهن إتيانه بالكلام مسجوعاً والقرآن ليس من هذا ولا من هذا.
وإن وقع فيه كل من الأمرين فغيرر مقصود إليه ولا معول عليه، بل لكون المعنى انتظم به على اتم الوجوه فيؤتي به لذلك، ثم تبين أنه غير مقصود بالانفكاك عنه في كثير من الأماكن بقرينة ليس لها مجانس في اللفظ لتمام المعاني المرادة عندها فيعلم قطعاً عن تكميل المشاكلة ونقصاً - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ومما يوجب لك القطع بأن ترتيب هذين الاسمين الشريفين هكذا لغير مراعاة الفواصل قوله تعالى في سورة الحديد
٧٧ ( ) وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ( ) ٧
[ الحديد : ٢٧ ] وسيأتي إن شاء الله في سورة طه عن الفخر الرازي والقاضي أبي بكر الباقلاني مَنَع النظر إلى السجع في الكتاب العزيز نقلاً عن جميع الأشاعرة، وإذا تأملت الفواصل في الإتيان بها تارة بكثرة وتارة بقلة، وتارة تترك بالكلية ويؤتى في كل آية بفصاصلة لا توافق الأخرى، عملت أن هذا المذهب هو الصواب ولا سيما آخر سورة ) اقرأ ( وإذا تأملت كتب اهل العدد أتقنت علم هذا المستند، وإذا تأملت ما قلته في هذا النحو من كتابي مصاعد النظر للاشراف على مقاصد السور لم يبق عندك شك في شيء من هذا، فإياك ان تجنح لهذا القول فتكون قد وقعت في أمر عظيم وأنت لا تشعر، وأورد سبحانه هذه الآية إيراد المخاطب المتلطف المزيل لما عندهم من الريب يالقسم، فكأنه قال : ما لكم تنصرفون عن حضرته الشماء وشمائله العلى الله لقد جاءكم - إلى آخره، ثم أقبل عليه مسلياً له مقابلاً لإعراضهم إن أعراضوا بالأعرتض عنهم والبراءة منهم ملتفتاً إلى السورة الآمر بالبراءة من كل مخالف، قائلاً مسبباً عن النصيحة بهذه الآية التي لا شك عاقل في مضمونها :( فإن تولوا ) أي اجتهدوا في تكليف فطرهم الأولى أو ولوا مدبرين عنك بالانصراف المذكور أو غيره بعد النصيحة لهم بهذه الآية ) فقل ( اي استعانة بالله تفويضاً إليه ) حسبي ( اي كافي ؛ قال الروماني : وهو من الحساب لأنه جل ثناه يعطى بحسب الكفاية التي تعني عن غيره، ويزيد من نعمته مالا يبلغ إلى حد ونهاية إذ نعمه دائمة ومتنه متظاهر ) الله ) أي الملك الأعلى الذي لا كفؤ له، وإنما كان كافياً لأنه ) لا إله إلا هو ( فلا مكافئ له فلا راد لأمره ولا معقب لحكمه.
ولما قام الدليل على أنه كفؤ له، وجب قصر الرغائب فقال :( عليه ( اي وحده ) توكلت ( لأن أمره نافذ في كل شيء ) وهو رب ( اي مالك ومخترع ومدبر ؛ ولما كان في سياق القهر والكبرياء بالبراءة من الكفار والكفاية للأبرار، كان المقام