صفحة رقم ٤١
ولما كان ربما قال الكفار : ما له إذا كان قادراً وأنت محقق في رسالتك لا يعجل لنا الإتيان يتاويله، بين أن عادته الأناه وإن كان أمره وأخذه كلمح بالبصر إذا أراده " فقال :( في ستة ايام ( اي في مقدراها ؛ ولما كان تدبير هذا الخلق امراً باهراً لا تسعه العقول، ولهذا كانت قريش تقول : كيف يسع الخلق إله واحد اشار إلى عظمته وعلو رتبته بأداة البعد فقال :( ثم استوى على العرش ) أي أخذ في التدبير لما أوجده واحدث خلقه أخذاً مستوفي مستقصى مستقلاً به لأن هذا شان من يملك ملكاً ويأخذ في تدبيره وإظهار أنه لا منازع له في شيء منه ليكون خطاب الناس على ما ألفوه من ملوكهم لتستقر في عقولهم عظمة سبحانه، وركز في فطرهم الأولى من نفي التشبيه منه، ويقال : فلان جلس على سرير الملك، وإن لم يكن هناك سرير ولا جلوس، وكما يقال كناية لا يلتفت فيه إلى أجراء التركيب، والألفاظ على ظواهرها كقولهم للطويل : طويل النجاد، وللكريم : عظيم الوماد.
ولما كان سبحانه لا يشغله شان عن شأن، ابتدأ من التدبير هو آية ذلكبمشاهدته في تغطية الرض بظلامه في آن واحد، فقال على الكمال قدرته المراد بالاستواء بأمر يشاهد كل يوم على كثرة منافعة التي جعل سبحانه بها انتظامهذا الوجود ) يغشي ( اي استوى حال كونه يغشي ) الليل النهار ( وقال أبو حيان : قراء حميد بن قبس : يغشى الليل - بفتح بن جني عنحميد بنصب الليل ورفع النهار، وقال ابن عطية : وابو الفتح أثبت، وهذا الذي قاله - من أن أبا الفتح أثبت - كلام لا يصح، إذ رتبة أبي عمرو الداني أحد من أئمة القراءة فضلاً عن النجاة الذين ليسوامقرئين ولا رووا القراءة عن أحد ولا روى عنهم القراءة أحد، هذا مع الديانة الزائدة والتثبيت في النقل وعدم التجاسر ووفور الحظ من الحظ، فقد رايت له كتاباً في كلا وكتاباً في إدغام أبي عمرو الكبير دلاً على إطلاعه على ما لا يكاد يطلع عليه ائمة النجاة ولا المقرئين إلى سائر تصانيفه، والذي نقله أبو عمرو الداني عن حميد امكن من حيث المعنى، لأن ذلك موافق لقراءة الجماعة إذ ) اليّل ( في قراءتهم - وإن كان منصوباً - هو الفاعل من حيث المعنى، إذ همزة النقل أو التضعيف صيرة مفعولاً، ولا يجوز ان يكون مفعولاً ثانياً من حيث المعنى، لأن المنصوبين تعدى إليهما الفعل واحدهما فاعل من حيث المعنى، فليلزم أن يكون الأول منهما كما لزم ذلك في : ملكت زيداً عمراً، إذ رتبة التقديم هي الموضحة أنه الفاعل من حيث المعنى كما لزم ذلك في ضرب موسى عيسى - انتهى.


الصفحة التالية
Icon