صفحة رقم ٤١٥
والمربي والمحسن ) الله ) أي من ربى شيئاً ينبغي أن يكون حكيماً وقادراً على أسباب صلاحه، فأيقظوا أنفسكم من سنة غفلتها تعلموا أن هذا الكتاب من عند لذي له العظمة كلها قطعاً، وأنه قادر على بعثكم لأنه ربكم ) الذي ( على اتساعها وكثرة ما فيها من المنافع ) في ستة أيام ( لحكمه أرادها على أن ذلك وقت يسير لا بفعل مثل ذلك في مثله إلا من لا يعجزه شيء.
ولما أوجد سبحانه هذا الخلق الكثير المتباعد الأقطار الواسع الانتشار المفتقر إلى عظيم التدبير ولطيف اتصريف والتقدير، عبر سبحانه عن علمه فيه عمل الملوك في ممالكهم بقوله مشيراً إلى عظمته بأداة التراخي :( ثم استوى ) أي عمل في تدبيره وإتقان ما فيه وإحكامه عمل المعتني بذلك ) على العرش ( المتقدم وصفه بالعظمة، وليست ( ثم ) للترتيب بل كناية عن علو الرتبة وبعد منالها ؛ ثم بين ذلك الاستواء بقوله :( يدبر ( لأن التدبير أعدل أحوال الملك فالاستواء كناية عنه ) الأمر ( كله فلا يخفي عليه عاقبة أمر من الأمور، فحصل الأمن بهذا من أن يفعل شيء بغير علمه، لأن التدبير تنزل الأمور في مراتبها على إحكام عواقبها، وهو مع ذلك منزه عما تعرفونه من أحوال الملوك من أنه يكون في ممالكهم من يقضي بعض الأمور بغير إذن منهم وإن علموا به لعجزهم عن المجاهرة بإدامة دفعه، بل هو متصف بأنه ) ما من شفيع ( اي وغن كان بليغ الاتصاف بذلك.
ولما كان تمام قهره وعظيم سلطانه لا يفيد احداً عند إنه له إذناً عاماً لجميع الأزمان والأماكن، أتى بالجار فقال :( إلا من بعد إذنه ( فإذا لم يقدر شفيع على الكلام في الشفاعة إلا بإذنه فكيف يقدر أحد أن يأتي بشء من الأشياء بغير إذنه فكيف ياتي بكتاب حكيم ليس من عنده يعجز الخلق عن معارضته، فحصل الأمن ان يكون غيره قاله أو شفع فيمن ابلغه من غير إرادة منه سبحانه، فتحرر أنه ليس إلا من عنده وأنه أمر بإبلاغه، وقد عرف من هذا أن ) ما من شفيع ( في موضع الدلالة على أنه لا يخرج عن تدبيره أمر من الأمور ولا يغلبه شيء اصلاً فبطل ما كانوا يقولون في الأصنام من الشفاعة وغيرها والشفيع : السائل في غيره بتبليغ منزلة من عفو أو زيادة منزلة، وقد وقع ذكر الكتاب والرسول والعرش مرتباً في أول هذه على ما رتب آخر تلك ؛ فلما تقرر ما وصف به من العظمة التي لا يشاركه فيها أحد، وجب ان يعبد عبادة لا يشاركه فيها شيء، فنبه على ذلك بقوله :( ذلكم ) أي العظيم الشأن العالي المراتب ) الله ) أي الملك الأعلى ) ربكم ( الذي تقرر له من الغعظمة والإحسان بالإيجاد والتربية ما لا يبلغه