صفحة رقم ٤٣٠
لهم وصف الاضطراب ) رحمة ( اي نعمة رحمناهم بها من غير استحقاق.
ولما كان كان وجود النعمة لا يستغرق الزمان الذي يتعقب النقمة، أدخل الجار فقال :( من بعد ضراء ) أي قحط وغيره ) مستهم ( فاجأوا المكر وهو معنى ) إذا لهم مكر ) أي عظيم بالمعاصي التي يفعلون في الاستخفاء بأغلبهافعل الماكر ) في آياتنا ( إشارة إلى انهم لا ينفكون عنآياته العظام، فلو كانوا منتفعين بالآيات اهتدوا بها، فإذا أتتهم رحمة من بعد نقمة لم يعدوها آية دالة على من أرسلها لهم لخرقها لما كانوا فيه من عادة النقمة مع أنهم يعترفون بأنهلا يقدر على إرسالها وصرف الشدةإلا هو سبحانه، بل يعملون فيها عمل الماكرين بأن يصرفوها عن ذلك بأنواع الصوارف كأن ينسبوها إلى السباب كنسبة المطر للأنواء ونحو ذلك غير خائفين من إعادة مثل تلك الضراء أو ما هو اشد منها.
ولما كانت هذه الجملة دالة على إسراعهم بالمكر من ثلاثة أوجه : التعبير بالذوق الذي هو أول المخالطة ولفظ ( من ) التي هي للابتداء و ( إذا ) الفجائية، كان كأنه قيل : أسرعوا جهدهم في المكر فقيل :( قل الله ) أي الذي له له الإحاطة الكاملة بكل شيء ) أسرع مكراً ( ومعنى اوصف بالأسرعة أنه قضى بعقابهم قبل تدبيرهم مكايدهم - نبه عليه أبو حيان ولما كان المكر إخفاء الكيد، بين لهم سبحانه أنهم غير قادرين على مطلق المكر في جهته عز شأنه وتعالى كبرياءه وسلطانه، لأنه عالم بالسر وأخفى، بل لا يمكرون مكراً إلا ورسله سبحانه مطلعون عليه فكيف به سبحانه فقال تعالى مؤكداً لأجل إنكارهم :( إن رسلنا ) أي على ما لهم من العظمة بإضافتهم إلينا ) يكتبون ) أي كتابة متجددة على سبيل الاستمرار باستمرار المكتوب ) ما تمكرون ( لأنهم قد وكلوا بكم قبل كونكم نطفاً ولم يوكلوا بكم إلا بعد علم موكلهم بكل ما يفعلونه ولا يكتبون مكركم إلا بعد اطلاعهم عليه، واما هو سبحانه فإذا قضى لا يمكن أن يطلع عليه رسله إلا باطلاعه فكيف بغيرهم وإذا تبين انه عالم بأمورهم وهم جاهلون بأموره، علمَ أنه لا يدعهم يدبرون كيداً إلا وقد سبب له ما يجعله في نحورهم ؛ والمكر : فتل الشيء إلى غير وجهه على طريق الحيلة فيه ؛ والسرعة ؛ الشيء في وقته الذي هو أحق به، وقد تضمنت الآ ؟ ية البيان عما يوجبه حال الجاهل من تضييع حق النعمة والمكر فيها وإن جلت منزلتها وأتت على فاقة إليها وشدة حاجة إلى نزولها مع الوعيد بعائد الوبال على الماكر فيها، ثم أخذ سبحانه يبين ما يتضح به أسرعية مكره في مثال دال على ما في