صفحة رقم ٤٤١
أي كيف ومن اي جهة تصرفون بأقبح الكذب عن وجه الصواب من صارف ما، وقد استنارت جميع الجهات، ورتب هذه الجمل أحسن ترتيب، وذلك أنه سألهم أولاً عن سبب دوام حياتهم وكمالها بالرزق والسمع والبصر وعن دء الخلق في إخراج الحي من الميت وما بعده، وكل ذلك تنبيهاً على النظر في احوال أنفسهم مرتباً على الأوضح فالأوضح، فلما اعترفوا به كله اعاد السؤال عن بدء الخلق ليقرن به الإعادة تنبيهاً على أنهما بالنسبة إلى قدرته على حد سواء، فلما فرغ مما يتعلق بأحوال الجسد امره ان يسألهم عن غاية ذلك، والمقصود منه من أحوال الروح في الهداية التي في سبب السعادة إمعاناً في الاستدلال بالمصنوع على الصانع على وجه مشير إلى التفصيل فقال :( قل ) أي يا أفهم العباد وأعرفهم بالمعبود ) هل من شركائكم ) أي الذين زعمتم أنهم شركاء لله، فلم تكن شركتهم إلا لكم لأنكم جعلتم لهم حظاً من أموالكم وأولادكم ) من يهدي ) أي بالبيان أو التوفيق ولو بعد حين ) إلى الحق ( فضلاً عن أن يهدي للحق على أقرب نما يكون من الوجود إعلاماً.
ولما كانوا جاهلين بالجواب الحق في ذلك أو معاندين، أمره أن يجيبهم معرضاً عن انتظار جوابهم آتياًبجزئي الاستفهام ايضاً فقال :( قل الله ) أي الذي له الإحاطة الكاملة ) يهدي ( ولما كان قادراً على غاية الإسراع، عبر باللام فقال :( للحق ( إن أراد، ويهدي إلى الحق من يشاء، لا أحد ممن زعموهم شركاء، فالاشتغال بشيء منها بعبادة أو غيرها جهل محض واختلال في المزاج كبير، فالآية من الاحتباك : ذكر ) إلى الحق ( اي الكامل الذي لا زيغ فيه بوجه ولو على ابعد الوجوه ) احق أن يتبع ) أي بغاية الجهد ) أم من لا يهدي ( اي يهتدي فضلاً عن أن يهدي غيره إلى شيء من الأشياء أصلاً ورأساً ؛ وإدغام تاء الافتعال للإيماء إلى انتفاء جميع أسباب الهداية حتى أدانيها، فإن التاء عند ارباب القوب معنها انتهاء التسبب غلى أدناه ) إلا أن يهدي ( اي يهديه هاد غيره كائناًمن كان، وهذا يعم كل ما عبد من دون الله من يعقل وممن لا يعقل ؛ فلما اتم ذلك علىهذا النهج القويمن كان كانه قيل : أتجيبون أم تسكتون ؟ وإذا أجبتم أتؤثرون الحق فترجعون عن الضلال أم تعاندون، تسبب عن ذلك سؤالهم عى وجه التوبيخ بقوله :( فما ( اي أيّشيء ثبت ) لكم ( في فعل غير الحق من كلام أو سكوت ؛ ثم استأنف تبكيتاً آخر فقال :( كيف تحكمون ( فيما سألناكم عنه ممالا ينبغي ان يخفى على عاقل، أبالباطل أم بالحق ؟ فقد تبين الرشد من الغي ؛ والبدء : العقل الأول ؛ والإعادة : إيجاد الشيء ثانياً ؛ والهداية : التعريف بطريق الرشد من الغي.


الصفحة التالية
Icon