صفحة رقم ٤٥٠
في الدنيا من تكذيب أو تصديق ) قضى بينهم ) أي في جميع الأمور بما أفاده نزع الخافض على أسهل وجه من غير شك بم أفاده البناء للمفعول ؛ ولما كان السياق بالترهيب أجدر، قال ) بالقسط ) أي أظهر خفياً من استحقاقهم في القضاء بالعدل والقسمة المنصفة بينهم كلهم بالسوية فأعطى كل أحد منهم مقدار ما يخصه من تعجيل العذاب وتأخيره كما فعل معك ؛ ولما كان ذلك لا يستلزم الدوام، قال :( وهم لا يظلمون ) أي لا يتجدد لهم ظلم منه سبحانه ولا من غيره.
ولما تقدم في هذه الآيات تهديدهم بالعذاب في الدنيا أو في الآخرة، حكى سبحانه جوابهم عن ذلك عطفاً على قوله :( ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه ( فقال :( ويقولون ) أي هؤلاء امشركون مجددين لهذا القول مستمرين على ذلك استهزاء :( متى هذا الوعد ) أي بالعذاب في الدنيا أو في الآخرة، وألهبوا وهيجوا بقولهم :( إن كنتم ) أي أنت ومن قال بقولك ) صادقين ( والقول كلام مضمن في ذكره بالحكاية وقد يكون كلام لا يعبر عنه فلا يكون له ذكر بالحكاية - قاله الرماني، ولتضمين جعل الشيء في وعاء ؛ والوعد : خبر بما يعطي من الخير، والوعيد : خبر بما يعطى من الشر، وقد يراد الإجمال كما هنا فيطلق الوعد على المعنيين : وعد المحسن بالثواب والمسيء بالعقاب ؛ والصدق : الخبر عن الشيء على ما هو به ؛ والكذب : الخبر عنه على خلا ما هو به.
ولما تضمن قولهم هذا استعجاله ( ﷺ ) بما يتوعدهم به، أمره بأن يتبرأ من القدرة على شيء لم يقدره الله عليه بقوله :( قل ) أي لقومك المستهزئين ) لا أملك لنفسي ( فضلاً عن غيري ؛ لما كان السيااق للنقمة، قدم الضر منبهاً على أن نعمه أكثر من نقمة ؛ وأنهم في نعمه، عليهم أن يقيدوها بالشكر خوفاً من زوالها فضلاً عن أن يتمنوه فقال :( ضراً ولا نفعاً (.
ولما كان من المشاهد أن كل حيوان يتصرف في نفسه وغيره ببعض ذلك قال :( إلا ما شاء الله ) أي المحيط علماً وقدرة أن أملكه من ذلك، فكأنه قيل : فما لك لا تدعوه بأن يشاء ذلك ويقدرك عليه ؟ فقيل :( لكل أمة أجل ( فكأنه قيل : وماذا يكون فيه ؟ فقيل :( إذا جاء أجلهم ( هلكوا ؛ ولما كان قطع رجائهم من الفسحة في الأجل من الشرطية بكمالها ) ولا يستقدمون ( فلا يستعجلوه فإن الوفاء بالوعد لا بد منه. والسين فيهما بمعنى الوجدان، أي لا يوجد لهم المعنى الذي صيغ منه الفعل مثل : استشكل الشيء واواسثقله، ويجوز كون المعنى : لايوجدون التأخر ولا التقدم وإن اجتهدوا في


الصفحة التالية
Icon