صفحة رقم ٤٥٢
بأنهم إذا ذاقوا مس العذاب وأخذتهم فواجئه الصعاب شغلتهم دواهيه عن العناد واضطرتهم أهواله إلى سهل الانقياد، فكان في غاية الحسن وضع تقريعهم على الاستعجال عقب الوعيد، ثم وضع التراخي عن الإيمان بالعناد بعد الإشراف على الهلاك ومعانيه التلف، فكان كأنه قيل : أخبروني على تقدير ان يأتيكم عذابه الذي لا عذاب أعظم منه - كما دل ذلك إضافته إليه - فبيتكم أو كاشفكم، ما تفعلون ؟ ألا تؤمنون ؟ فقالوا لا، فليعجل به ليرى، فناسب لما كان استعجالهم بعد هذا الإنذار تسفيههم على ذلك فقيل ) ماذا ) أي أي نوع منه يطلب عجلته ) المجرون (، ولا نوع منه الإ وهو فوق الطاقة ووراء الوسع، إن هذا لمنكر من الآراء، أفبعد تراخي إيمانكم عن مخايل صدمته ومشاهدة مبادئ عظمته وشدته أوجدتم الإيمان به عند وقوعه ؟ يقال لكم حين اضطرتكم فواجئه إلى الإيمان وحملتكم قوارعه على صيورة الإذعان :( آلئن ( تؤمنون به - أي بسببه - بعد أن أزال بطشاً قواكم وحل عزائم هممكم وأوهاكم ) وقد كنتم ) أي كوناً كأنكم مجبولون عليه ) به يستعجلون ) أي تطلبون تعجيله طلباً عظيماً حتى كأنكم لاتطلبون عجله شيء غيره تكذيباً وعزماً علىالثبات على العناد، لو وقع فلم نقبل إيمانكم هذا منكم ولا كف عذابنا عنكم، بل صيركم كأمس الدابر.
ولما كان ما ذكر هو العذاب الدينوي، أتبعه ما بعده إعلاماً بأنه لا يقتصر عليه في جزائهم فقال :( ثم قيل ) أي من أيّقائل كان استهانه ) للذين ظلموا ) أي وبعد أزّكم في الدنيا والبرزخ بالعذاب وهزّكم بشديد العقاب قيل لكم بوم الدين بظلمكم بالآيات وبما أمرتم به فيها بوضعكم كلاَّ منذلك في غير موضعه :( ذوقوا عذاب الخلد ( فالإتيان ب ( ثم ) إشارة إلى تراخي ذلك عن الإهلاك في الدنيا بالمكث في البرزخ أو إلى أن عذابه أدنى من عذاب يوم الدين ) هل تجزون ( بناه للمفعول لأن المخيف مطلق الجزاء ؛ ولما كان الاستفهام الإنكاري بمعنى النفي، وكان المعنى : بشيء، استثنى منه فقال :( إلا بما كنتم ) أي بجبلاتكم ) تكسبون ) أي في الدنيا من العزم على الاستمرار على الكفر ولو طال المدى لاتنفكون عنه بشيء من الأشياء وإن عظم، فكان جزاءكم الخلود في العذاب طبق النعل بالنعل ؛ والعذاب : الألم المستمر، وأصله طلب الطعم بالفم في ابتداء الأخذ.
ولما انقضى ما اشتملت عليه الآية من التهديد وصادع الوعيد، أخبر تعالى أنهم صاروا إلى ما هو جدير بسامع ذلك من النزول عن ذلك العناد إلى مبادئ الانقياد بقوله تعالى :( ويستنبئونك ( عطفاً على قوله ( ويقولون متى هذا الوعد ) أي ويطلبون منك