صفحة رقم ٤٥٨
توبيخاً هو في أحكم مواضعه، وساقه على طريق السؤال بحيث إنهم لا يقدرون على الجواب أصلاً بغير الإقرار بالافتراء فقال :( أرءيتم ) أي أخبروني، وعبر عن الخلق بالإنزال تنبيهاً علىأنه لا يمكن ادعاءه لأصنامهم لنزول أسبابه من موضع لا تعلق لهم به بوجه فقال :( ما أنزل الله ) أي الذي له صفات الكمال التي منها الغنى المطلق ) لكم ( اي خاصاً بكم ) من رزق ) أي أيّ رزق كان ) فجعلتم منه ) أي ذلك الرزق الذب خصكم به ) حراماً وحلالاً ( على النحو الذي تقدم في الأنعام وغيرها قصته وبيان فساده على أنه جلي الفساد ظاهر العوج ؛ ثم ابتدأ أمراً آخر تأكيداً للإنكار عليهم فقال :( قل ) أي من أذن لكم في ذلك ؟ ) الله ) أي الملك الأعلى ) أذن لكم ( فتوضحوا المسنتند به ) أم ( لم يأذن لكم فيه مع نسبتكم إياه إليه لأنكم فصلتموه إلى حرام وحلال ولا محل ومحرم إلا الله، فأنتم ) على الله ) أي المحيط بكل شيء عظمة وعلماً ) تفترون ( مع نسبتكم الافتراء إلي في هذا القرآن الذي أعجز الأفكار والشرع الذي بهر العقول وادعائكم أنكم أبعد الناس عن مطلق الكذب وأطهرهم ذيولاً منه، وتقديم الجار للإشارة إلى زيادة التشنيع عليهم من حيث إنهم أشد الناس تبؤراً من الكذب وقد خصوا الله - على تقدير التسليم لهم - بأن تعمدوا الكذب عليه.
ولما كان قد مضى من أدلة المعاد ما صيره كالشمس، وكان افتراءهم قد ثبت بعدم قدرتهم على مستند بإذن الله لهم في ذلك، قال مشيراً إلى أن القيامة مما هو معلوم لا يسوغ إنكاره :( وما ظن الذين يفترون ) أي يتعمدون ) على الله ) أي الملك الأعظم ) الكذب ) أي أنه نازل بهم ) يوم القيامة ) أي هب أنكم لم يحاسبكم فيكون حينئذ قد فعل ما لا يفعله رب مع مربوبه.
ولما كان تعالى يعاملهم بالحلم وهم يتمادون في هذاالعقوق، قال :( إن الله ) أي الذي له الكمال كله ) لذو فضل ) أي عظيم ) على الناس ) أي بنعم منها إنزال الكتب مفصلاً فيها ما يرضاه وما يسخطه وإرسال الرسل عليهم السلام لبيانها بما يحتمله عقول الخلق منها، ومنها طول إمهالهم على سوء أعمالهم فكان شكره واجباً عليهم ) ولكن أكثرهم ) أي الناس لاضطراب ضمائرهم ) لا يشكرون ) أي لا يتجدد منهم شكر فهم لا يتبعون رسله ولا كتبه، فهم يخبطون خبط عشواء فيفعلون ما يغضبه سبحانه ؛ والتحريم : عقد معنى النهي عن الفعل ؛ والتحليل : حل معنى النهي بالإذن ؛ والشكر : حق يجب بالنعمة من الاعتراف به والقيام فيما تدعو إليه على قدرها ؛ وافتراء الكذب : تزويره وتنميقه فهو أفحش من مطلق الكذب.


الصفحة التالية
Icon