صفحة رقم ٤٦٥
برهان عليه في الأصول فهو جهل، فكيف بما قام الدليل على خلافه ؛ والسلطان : البرهان القاهر لأنه يتسلط به على صحة الأمر ويقهر به الخصم، وأصله القاهر للرعية بعقد الولاية.
ولما قدم قولهم كذب، وبكتهم عليه مواجهة، أتبعه بما يشير إلى أنهم أهل للإعراض في سياق مهدد على الكذب، فقال معرضاً عن خطابهم مؤكداً لأن اجتراءهم على ذلك دال على التكذيب بالمؤاخذة عليه :( قل ) أي للذين ادعوا الولد لله وحرموا ما رزقهم من السائبة ونحوها ) إن الذين يفترون ( اي يتعمدون ) على الله ) أي الملك الأعلى ) الكذب لا يفلحون ( ثم بين عدم الفلاح بقوله :( متاع ) أي لهم، ونكره إشارة إلى قلته كما قال في الآية الأخرى ( متاع قليل ) وأكد ذلك بقوله :( في الدنيا ( لأنها دار ارتحال، وما كان إلى زوال وتلاش واضمحلال كان قليلاً وإن تباعد مدّه وتطاولت مُدَده وجل مَدَده، وزاد على الحصر عَدده ؛ وبين حالهم بعد النقلة بقوله :( ثم ) أي بعد ذلك الإملاء لهم وإن طال ) إلينا ) أي على ما لنا من العظمة لا إلى غيرنا ) مرجعهم ( بالموت فنذيقهم عذاباً شديداً لكنه دون عذاب الآخرة ) ثم نذيقهم ( يوم القيامة ) العذاب الشديد بما ) أي بسبب ما ) كانوا ) أي كوناً هو جبلة لهم ) يكفرون ( ووجب كسر ( إن ) بعد القول لأنه حكاية عما يستأنف الإخبار به فعل في لام الابتداء لذلك.
ولما تقدم سؤالهم الإتيان بما يقترحون من الآيات، ومضت الإشارة إلى أن تسييرهم في الفلك من أعظم الآيات وإن كانوا لإلفهم له قد نسوا ذلك، وتناسجت الآي كما سلف إلى أن بين هذا أن متاع المفترين الكذبَ قليل تخويفاً من شديد السطوة وعظيم الأخذ، عقب ذلك بقصة قوم نوح لأنهم كانوا أطول الأمم الظالمة مدة وأكثرهم عدة، ثم أخذوا أشد أخذ فزالت آثارهم وانطمست اعلامهم ومنارهم فصاروا كأنهم لم يكونوا أصلاً ولا أظهروا قولاً ولا فعلاً، فقال تعالى عاطفاً على قوله ) قل إن الذين ( مسلياً لنبيه ( ﷺ ) وأصحابه رضي الله عنهم لأن المصيبة إذا عمت خفت، وتخويفاً للكفار ليرجعوا أو يحفوا من أذاهم :( واتل ) أي اقرأ قراءة متتابعة مستعلية ) عليهم نبأ نوح ) أي خبره العظيم مذكراً بأول كون الفلك وأنه كان إذ ذاك آية غريبة خارقة للعادة عجيبة، وأن قوم نوح لم ينفعهم ذلك ولا أغنى عنهم افتراءهم وعنادهم مع تطاول الأمد وتباعد المدد، بل صار أمرهم إلى زوال، وأخذ عنيف ونكال
٧٧ ( ) كأن لم يلبثوا إلاّ ساعة من النهار يتعاوفون بينهم ( ) ٧
[ يونس : ٤٥ ] مع نجاة رسولهم وخيبة مأمولهم، قد لبث فيهم ما لم يلبثه نبي في قولهم ولا رسلو في أمته ألف سنة إلاّ خمسبن عاماً، وما آمن معه إلاّ قليل ) إذ قال لقومه ) أي بعد أن دعاهم إلى الله فأطال دعاءهم ومتعوا في الدنيا كثيرا