صفحة رقم ٤٧٥
ولما ختم ببشارة من دل على إيمانهم إسلامهم بفعل ما يدل على هوان أمر العدو، وكان هلاك المشانىء من أعظم البشائر، وكان ضلال فرعون وقومه بالزينة والمال إضلالاً لغيرهم، سأل موسى عليه السلام إزاله ذلك كله للراحة من شره، فقال تعالى حاكياً عنهك ) وقال موسى ) أي بعد طول دعائه لفرعون وإظهار المعجزات لديه وطول تكبره على أمر اله وتجبره على المستضعفين من عباده، ولما كان من أعظم أهل الاصطفاء، أسقط الأداة تسنناً بهم، وأشار بصفة الإحسان إلى أن هلاك أعدائهم أعظم إحسان إليهم فقال :( ربنا ( اي أيها المحسن إلينا ) إنك ( أكد لما للجهال من إنكار أن يكون عطاء الملك الأعظم سبباً للإهانة ) أتيت فرعون وملأه ) أي أشراف قومه على ما هم فيه من الكفر والكبر ) زينة ) أي عظيمة يتزينون بها من الحلية واللباس وغيرهما ) وأموالاً ) أي من الذهب والفضة وغيرهما ) في الحياة الدنيا ( روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان لهم من فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن من ذهب وفضة وزبرجد وياقوت ؛ ثم بين غابتها لهم فقال مفتتحاً بالنداء باسم الرب ليعيذه وأتباعه من مثل حالهم :( ربنا ) أي أيها الموجد لنا المحسن إلينا والمدبر لأمورنا ) ليضلوا ( في أنفسهم ويضلوا غيرهم ) عن سبيلك ) أي الطريق الواسعة التي نهجتها للوصول إلى رحمتك.
ولما بين أن مآلهم الضلال، دعا عليهم فقال مفتتحاً أيضاً بالنداء باسم الرب ثالثاً لأن ذلك من أمارات الإجابة كما أُشير إليه في آخر آل عمران وإشارة إلى أنهم لا صلاح لهم بدون هلاكهم وهلاكها :( ربنا اطمس ) أي أوقع الطمس وهوالتسوية بين المطموس وبين غيره مما ليس له نفعه ) على أموالهم (.
ولما كان قد رأى منهم من التكبر على الله والتكذيب لآيانه والتعذيب لأوليائه ما لا يشفي غيظه منه إلا إدامة شقائهم دنيا وأخرى، وكان عالماً بأن قدرة الله على إبقائهم على الكفر مع تحسيرهم بسلب المال كقدرته على ذلك باستدراجهم إليه بالمال، قال :( واشدد ( اي شداً ظاهراً لكل أحد - بما اشار إليه الفك مستعلياً ) على قلوبهم ( قال ابن عباس : اطبع عليها وامنعها من الإيمان، وأجاب الدعاء بقوله :( فلا يؤمنوا ) أي ليتسبب عنذلك الشد عدم إيمانهم إذا رأوا مبادىء العذاب الطمس ) حتى يروا ( اي بأعينهم ) العذاب الأليم ( حيث لا ينفعهم إذا الإيمان فيكونوا جامعين ذل النفوس المطلوب منهم اليوم ليفيدهم العز الدائم إلى شدة الغضب بوضع الشيء في غير موضعه المنتج لدواتم ذلهم بالعقاب ؛ وهذه الآية منبه على أن الرضى بكفر خاص لا يستلزم استحسان الكفر من حيث هو كفر ؛ قال الإمام الحليمي في كتاب شعب الإيمان المسمى