صفحة رقم ٤٩٠
كان المعنى ( لولا ) النفي، كان التقدير : لكن لم تؤمن قرية منهم إلاّ عند صدم العذاب كما فعل فرعون، لو آمن عند رؤية البحر عل حال الفلق أو عند توسطه وقبل انسيابه عليه قُبِل، ولكنه ما آمن إلا بعد انهماره ومسه.
وذلك حين لا ينفع لفوات شرطه من الإيمان بالغيب ) إلاّ قوم يونس ( فإنهم آمنوا عند المخايل وقت بقاء التكليف فنفعهم ذلك فإنهم ) لمآ آمنوا ( ودل على أنه قد كان أظلهم بقوله :( كشفنا ( اي بعظمتنا ) عنهم ) أي حين إيمانهم، روي أنه لم يبق بينهم وبين العذاب إلا قدر ميل ) عذاب الخزي ) أي الذي كان يوجب لهم لو برك عليهم هوان الدارين ) في الحياة الدنيا ) أي فلم يأخذهم وقت رؤيتهم له ) ومتعناهم ) أي تمتيعاً عظيماً ) إلى حين ( وهو انقضاء آجالهم مفرقة كل واحد منهم في وقتها لمضروب له، وما ذكرته في معنى الآية نقله القاضي أبو محمد إساحاق بن إبراهيم البستي في تفسيره المسند عن ابن أبي عمر قال : قال شفيان الثوري :( فلولا كانت قرية آمنت ( قال : فلم تكن قرية آمنت، وهذا تفسير معنى الكلام، وأما ( لولا ) فهو بمعنى هلا، وهي على وجوه تحضيض وتأنيث، اي توبيخ، وهي هنا للتوبيخ.
ويجوز ئان تكون استفهامية بمعنى ( لولا )، ويلزم كلا من المعنيين النفي ؛ والنفع : إيجاب اللذة بفعلها أو ما يؤدي إليها كالدواء الكريه المؤدي إلى اللذة ؛ والخزي هو أن يفضح صاحبه، وهو وضع من القدر للغم الذي يلحق به، وأصله التعب.
ولما كن ما مضى ربما أوجب اعتقاد أن غيمان مثل أولئك محال هذه الآية في مقام الاحتراس منه مع البيان لأن حرض الرسول ( ﷺ ) على غيمانهم لا ينفع ومبالغته في إزالة الشبهات وتقرير الدلائل لا تفيد إلاّ بمشيئة الله تعالى لتوفيقهم وهدايتهم، ولو كان ذلك وحده كافياً لآمنوا بهذا السورة فإنها أزالت شبهاتهم وبينت ضلالاتهم وحققت بقصتي نوح وموسى عليهما السلام ضعفهم ووهن مدافعاتهم فقال تعالى :( ولو شآء ) أي إيمان الناس ) ربك ( أيالمحسن غليك بإقبال من اقبل لعلمه الخير فيه وإدبار من أدبر لعدم قابليته لخير ) لآمن من في الأرض ( من الكفار.
ولما كن هذا ظاهراً في الكل، صرح به مؤكداً لأن المقام يقتضيه فقال :( كلهم جميعاً ( اي مجتمعين فيآن واحد لا يختلفون في شيء منه، ولكن لم يشأ ذلك وأنت لحرصك على امتثال أوامري ووصيتي لك باللطف بخلقي الموافق لما جلبتك عليه من الخير تريد ذلك ) أفأنت تكره الناس ) أي الذين لم يرد الله إيمانهم مع كا طبعهم عليه من الاضطراب ) حتى يكونوا ) أي كوناً جبلياً ) مؤمنين ( اي راسخين في الإيمانن وإيلاء الاستفهام الاسم مقدماً عل الفعل للإعلام بأن الفعل - وهو هنا الإكراه - ممكن من غير ذلك الاسم وهو هنا الله وحده القادر على تحويل الطباع فإن قدرته قاهرة لكل شيء