صفحة رقم ٤٩٤
دون الله ) أي الملك الأعظم لعدم قدرتهم على شيء من ضري، فلا تطمعوا في أنه يحصل لي شك بسبب حصول الشك لكم، فإذاً لا أعبد غير الله أصلاً.
ولماكان سلب عبادته عن غيره ليس صريحاً في إثباتها له قال :( ولكن أعبد الله ( ايالجامع لأوصاف الكمال عبادة مسستمرة ؛ ثم وصفه بما يوجب الحذر منه ويدل على كمال قدرته ) الذي يتوفاكم ( بانتزاع أرواحكم التي لا شيء عندكم يعدلها.
فلا تطمعون - عند إرادنه لنزعها - في المحاولى لتوجيه دفاع عن ذلك.
وفي هذا الوصف - مع ما فيه من الترهيب - إشارة غلى الدلاة على الإبداء والإعادة، فكأنه قيل : الذي اوجدكم من عدم كما أنتم به مقرون بعدمكم بعد هذا الإيجاد وأنتم صاغرون، فثبت قطعاً أنه قادر على إعادتكم بعد هذا الإعدام بطريق الأولي فاحذروه لتعبدوه كما أعبده فإن قد أمرني بذلك وأنتم تعرفون غائلة الملك إذا خولف، وقال ) إن كنتم في شك ( مع أنهم يصرحون ببطلان دينه، لأنهم في حكم الشاك لاضطرابهم عند ورود الآيات، أو اأن فيهم الشاك فغلب لأنه أقرب إلى الحيز ؛ والشك : وقوف بين المعنى ونيضه، وضده الإعتقاد فإنه قطع بصحة المعنى دون نقيضه، وعبر ب ( من ) إشارة إلى أن فعلهم ذلك ابتدأ من الدين، ولو عبر ب ( في ) لأفهم أنهم دخلوا فيه لأنهم في الشك والشك في الدين، والظرف لظرف الشيء ظرف لذلك الشيء، وترك العطف إشارة إلى أن كل جواب منا كاف على حياله.
ولما قرر ما هو الحقيق بطريق العقل، اتبعه بما رود من النقل بتأييده وإيجابه بقوله :( وأمرت ) أي بأمر جازم ماض ممن لا أمر لأحد معه، وعظم المأمور به بجعله عمدة الكلام بإقامته مقام الفاعل فقال :( أن أكون ) أي دائماً كوناً جبلياً، ولما كان السياق لما يحتمل الشك من امر الباطن، عبر بالإيمان الذي هو للقلب فقال :( من المؤمنين ) أي الراسخين في هذا الوصف ) وأن اقم ( اي أيها الرسول ) وجهك ) أي كليتك على سبيل الإخلاص الذي لا شوب فيه ) للدين ( فوصل أولاً كلمه ( أن ) بمعنى الأمر أي ) أن أكون ( دون ( أكن ) وثانياً بلفظه وهو ) أقم ( جمعاً بين الأسلوبين، وكلاهما بمعنى المصدر، وخص الثاني بذلك لطوله لأنه كالتفصيل للأول فالخطاب فيه أوكد وألذ، وقوله :( حنيفاً ( حال من فاعل ( أقم ) ومعناه : مسلياً ميالاً مع الدليل - كما اوضحته في البقرة، اي أجمع بين الإيمان بالقلب والإسلام بالجوارح ) ولا تكونن ) أي في وقت من الأوقات ) من المشركين ( الذين هم على ضد صفة الإسلام من الجفاء والغلظة والجمود والقسوة.