صفحة رقم ٤٩٧
أعلمت هذه الآية أن من اتبع الوحي ابتلى بما ينبغي الصبر عليه وأفهمت أن من كان له اشد اتباعاً كان اشد بلاء، وكان الأنصار رضي الله عنهم أجمعين أحق بهذا الوصف من غيرهم من حيث إنهم كانوا أول قبيلة جمعها الإيمان ومن حيث كانوا له أسهل قياداً والين عريكة مع كونهم لم يتقدم لهم عشرة بالنبي ( ﷺ ) ولا خبرة بأحواله توجب لهم من اتباعه ما يوجب لمن كان من بني عمه قريش يخالطه ويأنس به ويرى منه معالي الأخلاق وكريم الشمائل ما يوفر داعيته على اتباعه، فلما كان كذلك، خص النبي ( ﷺ ) الأنصار رضي الله عنهم لهذا الأمر، فتفضيلهم في ذلك من الجهتين المذكورتين فلا مع أن أكثرهم له من قرب النسب من رسول الله ( ﷺ ) والسبق في الإسلام حظ وافر.
هذا ما ظهر لي من مناسبته على تقدير الصحة.
والذي في الصحيح عن أنس رضي الله عنه أن النبي ( ﷺ ) أراد ان يقطع للأنصار من البحرين فقالت الأنصار : حتى تقطع لإخواننا من المهاجرين مثل الذي تقطع لنا، وقال :( سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني ) فهذا فيه أن السبب حرصهم على الإنصاف وهو يدل على أن المنصف يقل إنصاف الناس له وهو أمر مستقرى : والوحي : إلقاء المعنى غلى النفس في خفاء.
وهو هنا ما يجيء به الملك غلى النبي عليهما السلام عن الله تعالى فيلقيه إليه على اختصاصه به من غير أن يرى ذلك سواه من الناس ؛ والصبر : تجرع مرارة الامتناع من المشتهي إلى الوقت الذي ينبغي فيه تعاطيه ويعين عليه العلم بعاقبته وكثرة الفكر في الخبر الذي ينال به، واعتياد الصبر في خصلة يصير له ملكة تدعوه إلى ما شاكلها، وقد ختم سبحانه السورة بما دل عليه أو اشار إليه غلى أن ينجلي الحكيم الذي انوله للحكم في الدنيا أو في الآخرة بما لا مرد له مما برزت به مواعيده الصادقة في كلماته التامة، وهذا لعينه هو أول التي بعدها، فكان ختم هذه السورة وسطاً بين أولها وأول التي تليها، ففيه رد المقطع على المطلع وتتبع لما استتبع والله الموفق.
....