صفحة رقم ٥٠٨
بادر إلى اعتقاد أنها هي الحالة الأصلية له وأنها لا تفارقه أصلاً ولا يشوبها نوع ضرر ولا يخالط صفوها شيء من كدر.
فقال دالاًّ على اتصال زمن الضر بالقول بنزع الخافض من الظرف :( بعد ضراء ) أي فقر شديد مضر ببدنه، ولم يسند المس إليه سبحانه كما فعل في انعماء تعليماً للأدب فقال :( مسته ( اي بما كسبت يداه ) ليقولن ( مع قرب عهده بالضراء خفة وطيشاً ) ذهب السيِّئات ) أي كل ما يسوءني ) عني ( وقوله ) إنه ( الضمير فيه للإنسان، المعنى أن الإنسان.
فهي كلية مشهورة بمستغرق، اي أن كل إنسان ) لفرح فخور ( اي خارج عن الحد في فرحه شديد الإفراط في فخره على غيره بكل نعمة تفضل الله عليه بها.
لا يملك ضر نفسه ومنعها من ذلك فلذا اتصل بها قوله مستثنياً من الإنسان المراد به اسم الجنس :( إلا الذين صبروا ( في وقت الشدائد وزوال النعم رجاء لمولاهم وحسن ظن به بسبب إيمانهم الموجب لتقيدهم بالشرع ) وعملوا الصالحات ( اي من اقوال الشكر وأفعاله عند حلول النعم، وخلقهم في أحسن تقويم.
وهم أقل من القليل لعظيم جهاده لنفوسهم فيما جبلت عليه من الحظوظ والشهوات وغيرها وشياطينهم.
ولما كان كأنه قيل : فما لهم لم يكونوا كذلك أنتج السياق مدهم فقال :( أولئك ) أي العالو المراتب ) لهم مغفرة ( إذا وقعت منهم هفوة )، اجر كبير ( على صبرهم وشكرهم ؛ والذوق : تناول الشيء بالفم لإدراك الطعم كما أن الشم ملابسة الشيء الأنف لإدراك الرائحة ؛ والنزع : رفع الشيء عن غيره مما ان مشابكاً له كالقلع والقشط ؛ واليأس : القطع بأن الشيء لا يكون، وهو ضد الرجاء، ويؤوس : كثير اليأس، وهو ذك لأنه للجهل بسعة الرحمة الموجبة لقوة الأمل في كل ما يجوز في الحكمة فعله ؛ والنعماء : إنعام يظهر اثره على صاحبه، كما أن الضراء مضرة تظهر الحال بها، لأنها أخرجت مخرج الأحوال الظاهرة من حمراء وعوراء مع ما في مفهوما من المبالغة ؛ والسيئة : مايسوء من جهة نفور طبع أو عقل، ووهي هنا المرض والفقر ونحوه ؛ والفرح : انفتاح القلب بما يلتذ به ؛ وعبارة البغوي : هو لذة في القلب بنيل المشتهى وهو أعظم من ملاذ الحواس ؛ والفخر : التطاول بتعديد المناقب ؛ والصبر : حبس النفس عن المشتهى من المحارم ونحوها، والصبر على مر الحق يؤدي إلى الفوز في الآخرة مع ما فيه من جمال في الدنيا ؛ والكبير واحد يقصر مقدار غيره عنه ؛ والكثير : جمع يزيد على عدد غيره.
ولما استثنى سلحانه من الجارين مع الطبع الطائشين في الهوى من تحلى برزانة