صفحة رقم ٥٢٢
بقوله :( فقال ) أي فتسبب عن هذا لنصح العظيم أن قال ؛ ولما كان هذا بعد أن تبعه بعضهم قال :( الملأ ( وبين الجدال مع الضلال بعد أن بين أنهم هم الأشراف زيادة في التسلية بقوله :( الذين كفروا ( وبين أنهم اقارب أعزة بقوله :( من قومه ( اي الذين هم في غاية القوة لما يريدون محاولة القيام به ) ما نراك ) أي شيئاً من الأشياء ) إلا بشراً ( اي آدمياً ) مثلنا ( اي في مطلق البشرية، لست بملك تصلح لما لا تصلح له من الرسالة، وهذا قول البراهمة، وهو منع نبوة البشر على الإطلاق، وهو قول من يحسد على فضل الله ويعمى عن جلي حكمته فيمنع أن يكون النبي بشراً ويجعل الإله حجراً.
ولما كانت العظمة عندهم منحصرة في عظمة الأتباع قالزا :( وما نراك ( ولما انفوا الرؤية عنه فتشوف السامع إلى ما يقع عليه من المعاني، بينوا أن مرادهم رؤية من اتبعه فقالوا :( اتبعك ) أي تكلف اتباعك ) إلا الذين هم ) أي خاصة ) اراذلنا ) أي كالحائك ونحوه، وليس منا رذل غيرهم، وهو جمع أرذل كأكلب جمع رذل ككلب، والرذل : الخسيسي الدنيء، وهذا ينتج أنه لم يتبعك أحد له قدر ؛ قالوا : و ) اتبعك ( عامل في قوله :( بادى الرأي ( وهو ظرف اي اتبعوك بديهة نم غير تأمل، فاتباعهم لا يدل على سداد لما اتبعوه من وجهين : رذالتهم في أنفسهمك، وأنهم لم يفكروا فيه، لكن يضعفه إيراد الاتباع بصيغة الافتعال التي تدل على علاج ومجاذبة، فالأحسن إسناده - كما قالواه أيضاً - إلى أراذل.
أي أنهم بحيث لا يتوقف ناظرهم عند أول وقوع بصره عليهم أنهم سفلة أسقاط، ويجوز أن يكون المراد ( بادى رايك ) أي أنك تظن أنهم اتبعوك، ولم يتبعوك.
ولما كانوا لا يعظون إلا بالتوسع في الدنيا، قالوا :( وما نرى لكم ( اي لك لومن تبعك ) علينا ( وأغرقوا في النفي بقولهم :( من فضل ) أي شرف ولا مال، وهذا - مع مامضى من قولهم - قول من يعرف الحق بالرجال ولا يعرف الرجال بالحق، وذلك أنه يستدل على كون الشيء حقاً بعظمته في الدنيا، وعلى كونه باطلاً بحقارته فيها، ومجموع قولهم يدل على أنهم يريدون : لو صح كون النبوة في البشر لكانت في واحد ممن أقروا له بالعلو في الأرض، وعمل ) اتبعك ( في ) بادي ( يمنعه تمادي الاتباع على الإيمان، فانتفى الطعن بعدم التأمل ) بل نظنكم كاذبين ) أي لكم هذا الوصف لازماً دائماً لأنكم لم تتصفوا بما جعلناه مظنة الاتباع مما يوجب العظمة في القلوب والانقياد للنفوس بالتقدم في الدنيا بالمال والجاه ؛ فكان داؤهم بطر الحق وغمط الناس، وهو احتقارهم، وهذا قد سرى إلى أكثر أهل الإسلام، فصاروا لا