صفحة رقم ٥٣٣
أي الملك الأعظم المحيط أمره وقدرته وعلمه، وهو حكمه بالغرق على كل ذي روح لا يعيش في الماء ) إلا من رحم ) أي إلا مكان من رحمة الله فإنه مانع من ذلك وهو السفينة، أو لكن من رحمه الله فإن الله يعصمه.
ولما ركب نوح ومن أمره الله به وأراده.
ولم تبق حاجة في تدرج ارتفاع الماء، فعلاً وطماً وغلب وعتاً فهال الأمر وزاد على الحد والقدر، قال تعالى عاطفاً على ما تقديره : فلم يسمع ابنه ذلك منه بل عصى اباه كما عصى الله فأوى إلى الجبل الذي أراده فعلاً الماء عليه ولم يمكنه بعد ذلك اللحاق بأبيه ولا الوصول إليه :( وحال بينهما ) أي بين الابن والجبل أو بينه وبين أبيه ) الموج ( المذكور في قوله ) في موج كالجبال ( ) فكان ) أي الابن بأهون أمر ) من المغرقين ( وهم كل من لم يركب مع نوح عليه السلام من جميع أهل الأرض ؛ قال أبو حيان : قل كانا يتراجعان الكلام فما استتمت لمراجعة حتى جاءت موجة عظيمة وكان راكباً على فرس قد بطر وأعجب بنفسه فالتقمه وفرسه وحيل بينه وزبين نوح عليه السلام فغرق - انتهى.
والركوب : العلو على ظهر الشيء، ركب الدابة والسفينة والبر والبحر ؛ والجري : مر سريع ؛ يقال : هذه العلة تجري في أحكامها، أي تمر من غير مانع، والموج جمع موجة - لقطعة عظيمة من الماء الكثير ترتفع عن حملته، وأعظم ما يكون ذلك إذا اشتدت الريح ؛ والجبل : جسم عظيم الغلظ شاخص من الأرض هو لها كالوتد ؛ والعصمة : المنع من الأفة ) وقيل ) أي بأدنى إشارة بعد هلاك أهل الأرض وخلوها من الكافرين وتدمير من في السهول والجبال من الخاسرين، وهو من إطلاق المسبب - وهو القول - على السبب - وهو لإرادة - لتصوير أمر ومأمور هو في غاية الطاعة فإنه أوقع في النفس.
ولما كان كل شيء دون مقام الجلال والكبرياء والعزة بأمر لا يعلمه إلا الله، دل على ذلك بأداة البعد فقال ) يا أرض ابلعي ( اي اجذبي من غير مضغ إلى مكان خفي بالتدريج، وعين المبلوع لئلا يعم فتبتلع كل شيء على ظهرها من جبل وغيره، ولذلك أفرد ولم يجمع فقال :( ماءك ) أي الذي تجدد على ظهرك للإغراق ليكون كالغذاء للآكل الذي يقوي بدنه فيقوي به على الإنبات وسائر المنافع وجعله ماءها لاتصاله بها اتصال الملك بالمالك ) ويا سماء أقلعي ( اي أمسكي عن الإمطار، ففعلتا مبادرتين لأمر الملك الذي لا يخرج عن مراده شيء ) وغيض الماء ( اي المعهود، حكم عليه بالدبوب في أعماق الأرض، من المتعدي فإنه يقالك غاض الماء وغاضه الله، كما يقال : نقض الشيء ونقضته أنا ) وقضي الأمر ) أي فرغ وانبتّ وانبرم في إهلاك نم هلك ونجاة من نجا كما أراد الجليل على ما تقدم به وعده نوحاً عليه السلام، لم يقدر