صفحة رقم ٥٤
الفرق ما لا يخفي، فالمخلوف في الثاني لم يذكر، فكأنه قيل : جعلكم لمن كان قبلكم في هذه الأرض التي أنتم بها، وخص قوم نوح وعاد بالذكر تذكيراً بما حل بهم من العذاب، ولهذا زائدة على الحد عظيمة الانتشار في جميع الأقطار، ومعلوم أن الله تعالى لم يترك واحدة منها بغير رسول
٧٧ ( ) وما كان معذبين حتى نبعث رسولاً ( ) ٧
[ الإسراء : ١٥ ] وفي قصة هود في سورة الأحقاف
٧٧ ( ) وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ( ) ٧
[ الأحقاق : ٢١ ] ؛ وله سر آخر وهو أن هذه الأمم كان عند العرب كثير من أخبارهم فصلت لهم أحوالهم، طوي عنهم من لم يكن عندهم شعور بهم فلم يذكروا إلا إجمالاً لئلا يسارعوا إلى التكذيب بما ينزل فيهم من غير دليل شهودي يقام عليهم.
ولما ذكرهم بمطلق الإبقاء بعد ذلك لإغراق العام، أتبعه التذكير بالزيادة فقال :( وزادكم ) أي على من قبلكم أو على من هو موجود في الأرض في زمانكم ) في الخلق ( اي الخاص بكم ) بسطة ( اي في الحسن بطول البدان والمعنى بقوة الأركان قيل : كان طول كل واحد منهم أثتى عشر ذراعاً وقيل أكثر.
ولما عظمت النعمة، كرر عليهم التذكير فقال مسبباً عن ذلك ) فاذكروا آلاء الله ( اي نعم الذي استجمع صفات العظمة التي أنعم عليكم بها من الاستخلاف والقوة وغيرهما، واذكروا انه لا نعمة عندكم لغيره أصلاً فصار مستحقاً لأن تخصوه بالعبادة ) لعلكم تفلحون ( اي ليكون حالكم حال من يرجي فلاحة وهو ظفره بجميع مراده، لأن الذكر موجب للشكر الموجب للزيادة ولما كان هذا منه موجباً ولا بد لكل سامع منصف من المبادرة إلى لإذعان لهذه الحجة القطعية، وهي استحقاقه للافراد بالعبادة للتفرد بالإنعام ازداد تشوف المخاطب إلى جوابهم، فأجيب بقوله :( قالوا ( منكرين عليه معتمدين على محض التقليد ) أجئتنا ) أي من عند من ادعيت أنك رسوله ) لنعبد الله ( اي الملك الأعظم ) وحده ( ولما كان هذا منهم في غاية العجب المستحق للإنكار، اتبعوه ماهو كالعلة لإنكارهم عليه ما دعاهم إليه فقالوا :( ونذر ) أي نترك على غير صفة حسنة ) ما كان يعبد آباؤنا ( اي مواطنين على عبادته بما دلوا عليه ب ( كان ) وصيغة المضارع - مع افشارة بها إلى تصوير آبائهم في حالهم ذلك - ليحسن في زعمهم إنكار مخالفتهم لهم.
ولما كان معنى هذا الإنكار أنا لا نعطيك، وكان قد لوح لهم بالتذكير بقوم نوح وقوله ) أفلا تتقون ( إلى من العذاب بما لوح إليه إيماؤهم إلى التكذيب يقولهم :( إن كنت من الصادقين ( وتسميتهم للانذار بالعذاب وعداً من باب الاستهزاء