صفحة رقم ٥٤٥
) أبلغتكم ما ) أي كل شيء ) أرسلت ) أي تقدم إرسالي من عند من لا مرسل في الحقيقة غيره ) به إليكم ( كاملاً لم أدع منه شيئاً رجاء لإقبالكم ولا خوفاً من إعراضكم، فأبيتم غلا التكذيب لي والاستكبار عما جئت به، فالذي أرسلني ينتقم منكم فيهلككم ) ويستخلف ربي ( اي يوجد المحسن غليّ بإقامتي يما يرضيه ) قوماً غيركم ( يخلفونكم في دياركم وأوالكم، فتكونون أعداءه، ويكون المستخلفون متعرضين لأن يكونوا أولياء مع كونهم ذوي بأس وقوة فيختص الضرر بكم ) ولا تضرونه ) أي الله بإعراضكم ) شيئاص ( ثم علل وعيده لهم بقوله مؤكداً لأن العاصي فاعل بعصيانه فعل من يظن أن الله غافل عنه :( إن ربي ) أي المحسن غليّ المدبر لمصالحي.
ولما كان الأهم في هذا السياق بيان استعلائه وقدرته، قدم قوله :( على كل شيء ( صغيراً أو كبيراً جليل أو حقير ) حفيظ ) أي عالم بكل شيء وقادر على كل شيء وبالغ الحفظ له، فيعلم ما يعمل محفوظه فيجازيه بما يستحق من نعمه ونقمه، فهو تعليل لاستخلاف غيرهم وتنزهه عن لحوق ضرر، لأن الحفظ : الحراسة، ويلزمها العلم والقدرة، فمن القدرة حافظ العين، أي لا يغلبه نوم، والحفيظة - اللحمية والغضب، ومنهما معاً المحافظة - للمواظبة على الشيء ؛ والتوالي عن الشيء : الذهاب إلى غير جهته إعارضاً عنه ؛ والإبلاغ : إلحاق الشيء نهايته ؛ ولالستخلاف : جعل الثاني بدلاً من الأول يقوم مقامه ؛ والضر : إيجاب الألم بفعله أو التسبب له.
ولما تم ذلك كان كأنه قيل : فلم يرجعوا لوم يرهووا لبينة ولا رغبة ولا رهبة فأنزلنا بهم أمرنا ) ولما جاء أمرنا ) أي وقت إرادتنا لإهلاك عاد ) نجينا ) أي تنجية عظيمة بما لنا من العظمة ) هوداً والذين آمنوا ( كائنين ) معه ( في الإيمان ووالنجاة من قومهم فلم يقدروا أن يصلوا إليهم بسوء مع اجتهادهم في ذلك وإعجابهم بقواهم زيقال : إن الذين آمنوا كانوا أربعة آلاف.
ولما كان سبحانه بحيث لا يجب عليه لأحد شيء لأنه لا يقدر أحد أن يقدره حق وإن اجتهد في طاعته، فإن طاعته نعمة منه عليه، أشار إلى ذلك بقوله :( برحمة منا ( تحيقيقاً لتوكل عبدناً ؛ ولما بين إنجاءهم من قومهم بين إنجاءهم مما أهلكهم به فقال مكرراً ذكر التنجية دلالة على أن عذابهم كان في غاية الفظاعة :( ونجيناهم ) أي بما لنا من العظمة، وبين فظاعة ما أهلك به أعداءهم بقوله :( من عذاب غليظ ) أي أهلكنا به مخالفيهم وهو الريح الصرصر، وهذا أولى من حمله على عذاب الآخرة لما يأتي من قوله ) ومن خزي يومئذ ( كأنهم كانوا إذا رأوا مخايل العذاب قصدوا نبيهم ومن آمن به ليهلكوهم قبلهم كما صرح به في قصة صالح ؛ والنجاة : السلامة من الهلاك ؛ وحقيقة الغلظة عظم الجثة، فاستعير للعذاب لثقله على النفس وطول مكثه.


الصفحة التالية
Icon