صفحة رقم ٥٥١
ولما ذكر نجاتهم من كل هلكة، ذكر نجاتهم من خصوص ما عذب به قومهم فقالك ) ومن ) أي ونجيناهم من ) خزي ) أي ذل وفضيحة ) يومئذ ( اي يوم إذجاء أمرنا بإهلاكهم بالصيحة وحل بهم دونهم فرقاً بين أوليائنا وأعدائنا، وحذف ( نجينا ) هنا يدل على أن عذابهم دون عذاب عاد ؛ ثم عقب ذلك بتعليله إهلاكاً وإنجاء باختصاصه بصفات القهر والغلبة والانتقام فقال :( إن ربك ( اي المحسن إليك كما أحسن إلى الأنبياء من قبلك ) هو ) أي وحده ) القوي ( فهو يغلب كل شيء ) العزيز ( اي القادر على منع غيره من غير أن يقدر احدعليه أو على الامتناع منه، من عز الشيء اي امتنع، ومنه العزاز - للأرض الصلبة الممتنعة بذلك عن التصرف فيها ؛ والخزي : العيب الذي تظهر فضيحته ويستحي من مثله ؛ ثم بين إيقاعه بأعدائه بعد إنجائه لأوليائه فقال معظماً للأخذ بتذكير الفعل :( وأخذ الذين ظلموا الصيحة ( وأشار إلى عظمة هذه الصيحة بإسقاط علامة التأنيث وسبب عنها قوله :( فأصبحوا في ديارهم جاثمين ( اي ساقطين على وجوههم، وقيل : جاثين على الركب موتى لا حراك بهمن وتقدم سر التعبير بالديار مع الصيحة والدار مع الرجفة في الأعراف، وخصت هود بما ذكر فيها لأن مقصودها أعظم نظر إلى التفصيل، وكل من الديار والصيحة أقرب إلى ذلك.
ولما كان الجثوم كناية عن الموت أوضحه بقوله :( كأن ) أي كأنهم ) لم يغنوا ) أي يقيموا أغنياء لاهين بالغناء ) فيها ( ثم نبه - على ما استحقوا به ذلك لمن لعله يغفل فيسأل - بقوله مفتتحاً بالأداة التي لا تقال إلا عندالأمور الهائلة :( ألا إن ثموداً ( قراءة الصرف دالة علىالاستخفاف بهم لطيشهم في المعصية ) كفروا ربهم ) أي أوقعوا التغطية والستر على المحسن غليهم بالخلق والرزق والإرسال وهو الظاهر وبصفاته وأفعاله، فلا يخفى على أحد أصلاً، فإيصال الفعل دون قصره كما في أكثر أضرابه بيان لغلظة كفرهم ؛ ثم كرر ذلك تأكيداً له وإعلاماً بتأبيد هلاكهم بقوله :( ألا بعداً لثمود ( ترك صرفهم في قراءة غير الكسائي إيذاناً بدوام لبثهم في الطرد والبعد ؛ والصيحة : صوت عظيم من فم حي، والجثوم لدوام مكان واحد أو السقوط على الوجه، وقيل : القعود على الركب ؛ وقال ) أصبحوا ( زيادة في التخويف والتأسيف بما وقع لهم ن التحسير لو أدركه أحد منهم لأن الإنسان يفرح إذا أصبح بقيامه من نومه مستريحاً قادراً على ما يريد من الحركات للاستمتاع بها بما يشتهي من التصرفات، فأصبح هؤلاء - بعد هذه الصفة على ما قص الله - خفوتاً أجمعين كنفس واحدة رجالاً ونساء صغاراً وكباراً كأنهم بم يكونوا أصلاً، ولا أصدروا فصلاً ولا وصلاً كأنهم لم يكونوا للعيون قرة، ولم يعدوا في الأحياء مرة كأن لم يغنووا أي يقيموا لانقطاع آثارهم إلا ما بقي من أجسادهم الدالة