صفحة رقم ٥٦٦
المستجمع لصفات الكمال، وبركته في أموالكم وجميع أحوالكم وإبقائه عليكم نظره إليكم الموجب لعفوه الذي هو ثمرة اتباع أمره ) خير لكم ( مما تظنونه زيادة بالنقص والظلم، وذلك أن بقية الشيء ما فضل منه، وتكون أيضاً بمعنى البقيا، من أبقى عليه يبقي إبقاء، واستبقيت فلاناً - إذا عفوت عن ذنبه، كأن ذلك الذنب أوجب فناء وده أو فناه عندك، فإذا استبقيته فقد تركت ما كان وجب، ويقولون : أراك تبقي هذا ببصرط - إذا كان ينظر إليه - قاله الإمام أبو عبد الله القزاز في ديوانه الجامع، وسيأتي في آخر السورة بيان ما تدور عليه المادة.
ولما كلانت خيرية ما يبقيه العدل من الظهور بمحل لا يخفى على ذي لب، تركها وبين شرطها بقوله :( إن كنتم ) أي جبلة زطبعاً ) مؤمنين ) أي راسخين في الإيمان إشارة إلى أن خيرتها لغير المؤمن مبينة على غير اساس، فهي غير مجدية إلا في الدنيا، فهي عدم لسرعة الزوال والنزوح عنها والارتحال، ودلت الواو العاطفة على غير مذكور أن المعنى : فآمنوا فاعلين ما أمرتكم به لتظفروا بالخير فإنما أنا نذير ) وما أنا ( وقدم ما يتوهموننه من قصده للاستعلاء نافياً له فقال :( عليكم ( وأعرق في النفي فقال :( بحفيظ ( أعلم جميع أعمالكم وأحوالكم وأقدر على كفكم عما يكون منها فساداً ؛ وأصل البقية ترك شيء من شيء قد مضى.
ولما كان الحاصل ما دعاهم إليه ترك ما كان عليه آباؤهم من السفه في حق الخالق بالشرك والخلائق بالخيانة، وكان ذلك الترك عندهم قطيعة وسفهاً، كن ذلك محكاً للعقول ومجزاً للآراء يعرف به نافذها من جامدها، فكان كأنه قيل : ما قالوا ؟ فقيل :( قالوا يا شعيب ( سموه باسمه جفاء وغلظة وانكروا عليه مستهزئين بصلاته ) اصلاتك تأمرك ) أي تفعل معك فعل من كان يأمر دائماً بتكليفنا ) أن تنرك ما يعبد ) أي على سبيل المواظبة ) آباؤنا أو ( نترك ) أن نفعل ) أي دائماً ) في أموالنا ما نشاء ( من قطع الدهم والدينار وإفساد المعاملة والمقامرة ونحوها مما يكون إفساداً للمال، يعنون أن ما تأمرناا به لا يمشي عل منهاج العقل، فما يأمرك به إلا ما نواك تفعله من هذا الشيء الذي تسميه صلاة، أي أنه من وداي : فعلك للصلاة ؛ ومادة صلا - واوية ويائية مهموزة وغير مهموزة بجميع تقاليبها - تدور على الوصلة، فالصلاة لصلة العبد بربه، وكذا الدعاء والاستغفار، وصلوات اليهود : كنائسهم اللاتي تجمعهم، والصلا : وسط الظهر ومجمعه وما حول الذني أيضاً، والمصلى من الخيل : التابع للسباق، وصال الفحل - إذا حمل على العنة، ولصوت الرجل واَصَيته : عبته، كأنك ألصقت به العيب، والواصلة واضحة في ذلك، وكأنها الحقيقة التي تفرعت منها جميع معاني المادة، وسيأتي شرح ذلك عند