صفحة رقم ٥٨٢
جسيماً، اقتضى عظيم تشوف النفس وشديد شوقها لعلم ما سبب عنه، فاقتضى ذلك حذف النون من ( كان ) إيجازاً في الكلام للإسراع بالإيقاف على المراد والإبلاغ في نفي الكون على أعلى الوجوه فقال :( تك ) أي في حالة من الأحوال ) في مرية ( والمرية : الشك مع ظهور الدلالة للتهمة - قاله الرماني ) مما يعبد هؤلاء ) أي لا تفعل فعل من هو في مرية بأن تضرب من أجل ما يعبدون مواظبين على عبادتهم مجددين ذلك في كل حي فتنجع نسك في إرادة مبادرتهم إلى امتثال الأموامر في النزوع عن ذلك بالكف عن مكاشفتهم بغائظالإنذار والطلب لإجابة مقترحاتهم رجاء الأزدجار كما مضى في قوله تعالى ) فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك ( - الآية، وذلك أن مادة مرى - بأيّ ترتيب كان - تدور على الإضطراب، وقد يلزمه الطرح والفصل : رمى يرمي رمياً، والمرماة : ظلف الشاة لأنه يطرح، والرمي : قطع من السحاب رقاق ؛ والريم : البراح، ما يريم يفعل كذا : ما يزال، والريم : ا لدرج للضطراب فيها، والقبر لنبذه في جاتب من الأرض وطرح الميت فيه، وريم فلان بالمكان : أقام به مجاوزاً لغيره منفصلاً عنه كأنه رمى بنفسه فيه، وريمت السحابة - إذا دامت فلم تقلع، لأن من شأنها رمي القطر، ومرى الضرع : مسحة الشك، أي تزلزل الإعتقاد، والميرة : جلب الطعام ؛ ثم استأنف تعالى خبراً هو بمنزلة العلة لذلك فقال :( ما يعبدون ) أي يوقعون العبادة على وجه الاستمرار ) إلاّ كما يعبد آباؤهم ( ولما كانت عبادتهم في قليل من الزمن الماضي أدخل الجار فقال :( من قبل ) أي أنهم لم يفعلوا ذلك لشبهة إذا كشف عنها القاناع رجعوا، بل لمحض تقليد الآباء مع استحضراهم لتلبسهم بالعبادة كأنهم حاضرون لديهم يشاهدونهم مع العمى عن النظر في الدلائل والحجج كما كان من قصصنا عليك أخبارهم من ألمم في تقيد الآباء سواء بسواء مع عظيم شكيمهم وشدة عصبتهم للأجانب فكيف بالأقارب فكيف بالآباء فأقم عليهم الحجة بإبلاغ جميع ما، أمرك به كما فعل من قصصنا عليك أنباءهم من إخوانك من الرسل غير مخطر في البال شيئاً مما قد يترتب عليه إلى أن ينفذ ما نريد من أوامرنا كما سبق في العلم فلا تستعجل فإنا ندبر الأمر في سفول شأنهم وعلو شأنك كمت نريد ) وإنا ( بما لنا من العظمة ) لموفوهم نصيبهم ( من الخير والشر من الآجال وغيرها وما هو ثابت ثباتاً لا يفارق أصلاً ؛ ولما كانت التوفية قد تطلق على مجر الإعطاء وقد يكون ذلك على التقريب، نفى هذا الحتمال بقوله :( غير منقوص ( والنصيب : القسم المجعول لصاحبه كالحظ ؛ والمنقوص : المقدار المأخوذ جزء منه ؛ والنقص : أخذ جزء من المقدار.


الصفحة التالية
Icon