صفحة رقم ٥٨٤
بأصلها ) لما ( هي في قراءة ابن عامر وحمزة وعاصم بالتشديد الجازمة حذف فعلها - قال ابن احلاجب : وهو شائع فصيح، وفي قراءة غيرهم بالتخفيف مركبة من لام الابتداء و ) ما ( المؤكدة بنفي نقيض ما أثبته الكالم ليكون ثبوته مع نفي نقيضه على أبلغ وجه.
ولما كان الشرط في حذف الفعل بعد ( لما ) الجازمة أن يكون مما يتوقع بوقوع فعل قبلها يدل عليه، كان التقدير : يقض بينهم، وسيقضي وهو معنى ما قرن بعدها بلام القسم من قوله :( ليوفينهم ربك ) أي المحسن إليك بإقامتك على المنهاج والأعدل والفضل من العباد ) أعمالهم ( لا يدع منها شيئاً لأ، ه لا يخفى عليه منها شيء، والسياق يقتضي أن يكون ) ما ( في ) لما ( في قراءة التخفيف للتأكيد على النحو الذي مر غير مرة أن النافي إذا زيد في سياق الإثبات كان كأنه نفي النقيض تأكيداً لمثبت ) إنه بما يعملون ( قدم الظرف لتأكيد الخبر ) خبير ( فإذا علمت أن شأنك في أمتك لمثبت ) إنه بما يعملون ( قدم الظرف لتأكيد الخبر ) خبير ( فإذا علمت أن شأنك في أمتك شأن الرسل في أممهم وأنه لا بد من الاختلاف في شأن الرسول والكتاب كما جرت بذلك السنة الإلهية وأن الجزاء بالأعمال كلها لا يد منه ) فاستقم ) أي أوجد القوم بغاية جهدك بسبب أنك لا تلكف إلاّ نفسك وأن الذي ارسلك لا يغفل عن شيء، ومن استقام استقيم له.
ولما كان من المقطوع به أن الآمر له ( ﷺ ) مَن له الأمر كله، بني للمفعول قوله :( كمآ أمرت ) أي كما استقام إخوانك من الأنبياء في جميع الأصول والفروع سواء كان في نفسك أو في تبليغ غيرك معتدلاً بين الإفراط والتفريط ولا يضيق صدرك من استهزائهم وتعنتهم واقتراحهم للآيات وإرادتهم أن تترك بعض ما يوحى إليك من التشنيع عليهم والعيب لدينهم بل صارحهم بالأمر واتركهم وأهواءهم، نحن ندبر الأمر كما نريد على حسب ما نعلم.
ولما كان الفاصل بين المعطوف والمعطوف عليه يقوم مقام تأكيد الضمير المستتر، عطف عليه قوله :( ومن ) أي وليستقم أيضاً من ) تاب ( عن الكفر مؤمناً ) معك ( على ما أمروا تاركين القلق من استبطائهم للنصرة كما روى البخاري وابو داود والنسائي عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال : شكونا إلى رسول الله ( ﷺ ) وهو متوسد بردة في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلنا : ألا تدعو الله لنا، فقعد وهومحمر وجهه فقال ( كان الرجل فيمن كان قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع فوق رأسه فيشق باثنين، وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم


الصفحة التالية
Icon