صفحة رقم ٥٨٨
وهو من الصبر الذي هو المر المعروف لأنه تجرع مرارة الق بحبس النفس عن الخروج غلى المشتهى مع الزاجر المعتبر من الشرع والعقل، فهو أكره شيء إلى النفس، والمعين عليه ما في استشعار لزوم الحق من العز والأجر بالطاعة والعم بما يعقب من الخير في كل وجه وعادة النفس له، وقد غلب إطلاقه على االحق حتى لا يجوز إطلاقه إلا فيه - قاله الرماني.
ولما كان ما تقدم كله مشيراً إلى استبعاد إيمان المعاندين بشي من تدبير آدمي كما تكاد القصص تنطق به، وكذا الإعلام بأن عبادتهم إنما هي للتقليد وباختلاف قوم موسى في كتابه الذي هو هدى ورحمة، وكل ذلك فطماً عن طلب ما قد يهجس في الخاطر من تمني إجابتهم إلى ما يقترحون أو الكف عن بعض ما يغيظ من الإنذار، وكان من طبع البشر البعد عن الانتهاء عن الخواطر إلا بعد التجربة، كان ذلك ربما أوجب أن الرشاد، فتسبب عنه أن يقال دفعاً له :( فلولا كان ( ويجوز أن يكون مناسبتها أنه لما ذكر إهلاك القورن الماضية والأمم السالفة بما مضى غلى أن ختم بالأمر بالصبر على الإحسان من الأمر بالمعروف والنهي عن النمكر، كان من الجائز أن يقع في فكر الاعتراض بأن يقال : ما الموجب لذلك ؟ فبين أن سبب الهلاك الإعارض عن نهي منتهك الحرمات والمجترىء على هتك الأستار الجليلة والرتع في الحمى مع تمكنهم بما أودع فيهم سبحانه من القوى والقدرة على اختيار جانب الخير والإعراض عن جانب الشر فقال تعالى :( فلولا ( بصيغة تحتمل التخصيص، وفيها معنى التفجع والتاسف لاعتبار كل من كان على مثل حالهم ) من القرون ) أي المهلكين الأشداء الكائنين في زمان ما.
ولما كان المراد القرون التي تقدم ذكر إهلاكها، وكانت أزمتهم بعض الزمان الماضي، أتى بالجار فقال :( من قبلكم أولوا ) أي أصحاب ) بقية ) أي حفظ وخير ومراقبة لما يصلحهم، لأن مادة ( بقي ) تدور على الجمع، ويلزمه القوة والثبات والحفظ، من قولهم : ابقه بقوتك مالك - وزن ادعه - أي احفظه حفظك مالك، ويلزمه النظر والمراقبة : بقيت الشيء - إذا نظرت إليه ورصدته، ويلزمه الثبات : بقي بقاء - إذا دام، والخير والجودة ؛ قال الزمخشري : لأن الرجل يستبقي مما يخرجه أجوده وافضله، ويقال : فلان من بقية قوم، اي من خيارهم، وسيأتي شرح ذلك مستوفى عند قوله تعالى ) وجعلنا بينهم موبقاً ( إن شاء الله تعالى ) ينهون ) أي يجددون النهي في كل حين إشارة غلى كثرة المفسدين ) عن الفساد ( الكائن ) في الأرض ( و ( لولا ) هنا كالتي في يونس توبيخية أو استفامية كما جوزهما الرماني، ويجوز ان تكون تخصيصية كما قال


الصفحة التالية
Icon