صفحة رقم ٧٠
ينبغي للمربوب، ولا ينبغي الجزم بأمر يستقبل إلا الله ربنا لإحاطة علمه، والآية تدل على انه كان في الأزل عالماً بكل شيء من الكليات والجزئيات لأن ( وسع ) ماض، وقد تقدم في الأنعام أن قول الخليل عليه السلام وهذا وآية الكهف من مخبر واحد - والله أعلم ولما كان المراد من هذا ما ذكر، كان مزعجاً للقلوب مقلقاً للنفوس مزعزعاً للخواطر مزلزلاً للأفكار بتامل هذه الخطار المشفية على غالية الخسار، فكأن المؤمنين قالوا : ما العمل وأين المفر ؟ فقال :( على الله ( اي الذي له الأمر كلهولا أمر لأحد معه، وحده لا على غيره ) توكلنا ( اي فوضنا جميع امورنا إليه، وهو أكرم من ان يختار لنا غير الأرشد وقد تبرأنا من حولنا وقوتنا واعتصمنا بحوله وقوته، وجعلنا جميع امورنا كلها محمولة على قدرته كما يحمل الوكيل امر موكله عنه ويريحه من همه وقلقله منه.
ولما جرت العادة بان الموكل يخبر الوكيل بما يريد ليفعله، أتبع ذلك الدعاء بالحكم بما يقضيه ظاهر الحال من نصر المحقّ وخذل امبطل فقال :( ربنا ) أي أيها المحسن إلينا ) افتح ) أي احكم ) بيننا ( ولما كان يريد استعطافهم لإسعادهم قال :( وبين قومنا ( وفيه إشارة إلى ميله إلى الدعاء بهدايتهم، وأدب بعدم التصريح بما لم يؤذن له فيه ) بالحق ) أي بالأمر الفيصل من معاملة كل من المحقّ والمبطل بما يستحقه شرعاً وعرفاً بحيث يكون الكل فريق باب يصل به إلى غاية أمره وهذا مقامم الإنصاف، فقد علم من إشارة قوله العناية بقومه، ومن عبارته الإنصاف من نفسه، ولو أراد ترجيح نفسه ومتبعيه لدعا لهم أن يعاملوا بالفضل وأن يعامل ضدهم بالعدل، وىلآية معلمه بأن له تعالى أن يفعل ما يريد من خذلان الظالم ونصر المظلوم وتعذيب العاصي وإثابة الطائع وعكس ذلك،
٧٧ ( ) لا يسئل عما يفغل ( ) ٧
[ الأنبياء : ٢٣ ] لأنه التام الملك العظيم المُلك الشامل القدرة الحكيم الخبير، ويجوز أن يكون المراد : لا نعود إلى ما كنا عليه من السكوت عن دعائكم إلى الله ونهيكم عن أفعال الضلال لأنا أمرنا بإنذاركم إلا أن يشاء الله سكوتنا بأمر يحدثه إلينا في ذلك لمصلحة اقتضاها علمه وقصرت عنها علومنا، فإذا أراد ذلك وأمرنا به فعلنا، / فله الخلق والأمر ولما اشار لالدعاء لقومه، أشار - بالعطف على غير معطوف عليه ظاهر - إلى أن التقدير : فأنت خير الراحمين :( وانت خير الفاتحين ) أي على من سدت عليه الأبواب ولم يجد مخلصاً