صفحة رقم ٨٠
ولما ساق هذا الطلب مساقاً دالا~ً على أنه شاك في أمره، أخبر تعالى أنه فاجأه بإظهار الآية دالاً على ذلك بالفاء المسببة المعقبة من غير مهلة فقال عن فعل موسى عليه السلام :( فألقى عصاه ( وعن فعله هوسبحانه ) فإذا هي ) أي العصا ) ثعبان مبين ) أي ظاهر في كبره وسرعة حركته بحيث إنه لشدة ظهوره كانه ينادي الناس فيظهر لهم أمره، وهو موضح لصدق من تسبب عن فعله في جميع مقالته ؛ روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان ثعباناً أشعر فاغراً فاه، بين لحييه ثمانون ذراعاً، ا وضع لحيه الأسفل في الأرض ولحيه الأعلى على سور القصر ثم توجه نحو فرعون فوثب من سريره هارباً وأحدث، وحمل على الناس فانهزموا وصاحوا فمات منهم خمسة وعشرون ألفاً، قتل بعضهم بعضاً، وصاح فرعون : يا موسى خذه وأنا أومن بك فأخذه فعاد عصاً ثم قال : هل معك آية أخرى ؟ قال : نعم ) ونزع يده ) أي أخرجها من جيبه بعد أن أراه إياها محترقه أدماً كما كانت وهو عنده ) فإذا هي بيضاء ( ونبه على ثبات بيضها وزيادة إعجابه بقوله :( للناظرين ( قال أبو حيان : أي للنظارة، وفي ذكر ذلك تنبيه على عظم بياضها لأنه لا يعرض العجب لهم إلا إذا كان بياضها خارجاً عن العادة، وقال ابن عباس : صارت نوراً ساطعاً يضيء ما بين السماء والأرض، له لمعان مثل لمعان البرق فخروا على وجوههم، وما أعجب أمر هذين الخارقين العظيمين : أحدهما في نفسه وذلك اليد البيضاء، والآخر في غير نفسه وهى العصا التي يمسكها بيده، وجمع بذينك تبديل الذوات من الخشبية إلى الحيوانية، وتبديل الأعراض من السمرة إلى البياض الساطع، فكانا دالين على جواز المرين - انتهى.
ولما أتى بالبيان وأقام واضح البرهان، اقتضى الحال السؤال عما أبرزوه من المقال في جوابه فقال :( قال الملأ ) أي الأكبار ) من قوم فرعون ( ما تلقفوه من فرعون واحداً بعدج واحد، يلقيه أكبرهم إلى أصغرهم ) إن هذا لساحر ) أي فهذا الذي رايتموه أيها الناس من تخيله ما لا حقيقة له، فلا تبادروا إلى متابعته ولما كان ذلك خارجاً عما ألفوه السحرة قالوا :( عليم ) أي بما هم فيه، بالغ في علمه إلى حد عظيم، فذلك جاء ما ريتم منه فوق العادة، فكأن فرعون قال ذلك أبتداء - كما في سورة الشورى - فتلقفوه منه وبادروا إلى قوله، يقوله بعضكم لبعض إعلاماً بأنهم على غاية الطواعية له خوفاً على رئاستهم تحقيقاً لقوله، تعالى
٧٧ ( ) فاستخف قومه فاطاعوه ( ) ٧
[ الزخرف : ٥٤ ] واختير هنا إسناده إليهم، لأن السياق للاستدلال على فسق الكثر، وأما هناك فالسياق لأنه إن أراد سبحانه انزل آية خضعوا لها كما خضع فرعون عند رؤية ما رأى من موسى عليع السلام حتى رضي لنفسه بأن يخاطب عبيده -