صفحة رقم ٨٩
ولما لم يتذكروا ولا لانوا، سبب عن أخذهم قوله معرفاًُ بغباوتهم معبراً في الخير بأداة التحقيق إشارة إلى أنه اغلب من الشر حثاً على الشكر :( فإذا ) أي فما تسبب عن ذلك إلا أنهم كانوا إذا ) جاءتهم الحسنة ) أي الحالة الكاملة التي يحبونها من الخصب وغيره، ( ﷺ )
١٥٤٨ ; ن وعرفها بعد تحقيقها إشارة إلى كمالها ) قالوا لنا هذه ) أي نحن حقيقيون بها، ودل على أن الخير أكثر من غير بقوله بأداة الشك مع التنكير :( وإن تصبهم سيئة ) أي حالة يكرهونها ولما كانت افصابة بالسيئات تخصهم ولا يلحق بني إسرائيل منها شيء، فكان إظهارهم للتطير بهم ظاهراً في ردهم عليهم وتكذيبهم فيه، أشار سبحانه بإدغام التاء إلى أنهم كانوا يدسونه إلى من يمكنهم اختداعه من الجهلة والأغبياء على وجه الحلية والخفاء، بخلاف ما في يايس فقال :( يطيروا ) أي يتشاءموا ) بموسى ومن معه ) أي بان يقولوا : ما حصل لنا هذا السوء إلا بشؤمهم، وهوتفعل من الطير، وهو تعتمد قصد الطير لأن يطير للتفاؤل به خير أو شر، واصله أن العرب كانوا إذا مر الطائر من ميامنهم إلى جهة مياسرهم قالوا : بارح، أي مشؤوم، من البرح وهو الشدة، فإذا طار منو جهة اليسار إاى جهة اليمين عدوه مباركاً، قالوا، منلي بالسانح بعد البارح، أي بالمبارك بعد المشؤوم، وعرف أن المراد هنا التشاؤم لاقترانه بالسيئة.
ولما كذبوا في الموضعين، قال مستانفاً على وجه التأكيد :( ألا إنما طائرهم ) أي قدرهم الذي سبق في الأزل من الخير والشر فلا يزداد ولا ينقص ) عند الله ) أي الملك الذي لا امر لغيره وقد قدر كل سيء، فلا يقدر على المجيء به غيره أصلاً ) ولكن أكثرهم لا يعملون ) أي لا علم لهم أصلاً فهم لا يهتدون إلى ما ينفعهم ويظنون أن للعباد مدخلاً في ذلك تراهم يضيقون الأشياء إلى أسباب يتوهمونها ولما كان هذا الذي قالوه يدل سوء المزاج وجلافة الطباع بما لا يقبل العلاج، أتبعه ما هو شر منه، وهو أنهم جزموا بانه كلما أتاهم شيء في المستقبل قابلوه بالكفرفقال :( وقالوا مهما ( هي مركبة من ( ما ) مرتين : الأولى الشرطية والثانية تأكيد.
قلبت ألف الأولى هاء استثقالاً، قيل : مه هي الصوت الذي يكون للكف وما الشرطية، أي كف عنك ما انت فيه.
ثم استأنفوا ( ما ) ) تأتنا به ) أي في أيّ وقت وعلى أيّ حالة كان ؛ ثم بينوا المأتي به بقولهم :( من آية ( اي علامة على صدقك، وهذا على زعمه، ولذلك عللوه بقولهم :( لتسحرنا ) أي لتخيل على عقولنا ) بها ( وتلفتنا عما نحن عليه إلى ما تريد فنحن نسميها آية ؛ ثم أجابوا الشرط بقولهم :( فما نحن ) أي كلنا ) لك ) أي خاصة ) بمؤمنين ) أي من أن نكذبك.