صفحة رقم ١٠٧
ولما كان القرآن العظيم أعظم الآيات بما أنبأ فيه عن الإخبار الماضية والكوائن الآتية على ما هي عليه مضمنة من الحكم والأحكام، في أساليب البلاغة التي لا ترام، وغير ذلك ما لا يحصر بنظام، كما أشار إليه أول السورة، كان ربما قيل : إن هذا ربما لا يعلمه إلا الراسخون في العلوم الإلهية، عطف عليه الإشارة إلى أن له تعالى غيره من الآيات إلا لا تحتاج لوضوحها إلى أكثر من العقل ما لايحيط به الحصر، ومع ذلك فلم ينتفعوا به، فقال :( وكأين من آية ) أي علامة كبيرة دالة على وحدانيته ) في السماوات ) أي كالنيرين وسائر الكواكب والسحاب وغير ذلك ) والأرض ( من الجبال والشجر والدواب وغير ذلك مما لا يحصه العد - كما سيأتي بيانه في سورة الرعد مفصلاً ) يمرون عليها ( مشاهدة بالحس ظاهرة غير خفية ) وهم عنها ) أي خاصة لا عن ملاذهم وشهواتهم بها ) معرضون ) أي عن دلالتها وهم يعتقدون أن الله فاعل تلك الآيات، بين أن إشراكهم مسقط لذلك، فقال :( ما يؤمن أكثرهم ) أي الناس ) بالله ) أي الذي لا شيء إلا وه داع إلى الإيمان به، لأنه المختص بصفات الكمال ) إلا وهم مشركون ( به مَن لا يقدر على شيء فضلاً عن أن يأتي بآية، كانوا يقرون بأن الله خالقهم ورازقهم ويعبدون غيره، وكذا المنافقون يظهرون الإيمان ويبطنون الكفران، وكذا أهل الكتابين يؤمنون بكتابهم ويقلدون علماءهم في الكفر بغيره، فعلم أن إذعانهم بهذا الإيمان غير تابع لدليل، وهو محض تقليد لمن زين له سوء علمه فرآه حسناً، لما سبق فيه من علم الله أنه لا صلاحية له فأفسده بما شابهه به من الشرك، والآية صالحة لإرادة الشرك الخفي الذي أشار إليه النبي ( ﷺ ) بقوله :( الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل ) وهو شرك الأسباب التي قدر الله وصول ما يصل إلى العبد بواسطتها، فقل من يتخطى من الأسباب إلى مسببها قال الرازي في اللوامع : وقال الإمام محمد بن علي الترمذي : إنما هو شك وشرك فالشك ضيق الصدر عند النوائب، ومنه ثوب مشكوك، والشرك بنور التوحيد، فعند هذا يتولاه الله تعالى، وقال الواسطي : إلا وهم مشركون : في ملاحظة الخواطر والحركات.
يوسف :( ١٠٧ - ١٠٩ ) أفأمنوا أن تأتيهم.....
) أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ