صفحة رقم ١١٥
فتشول أي ترفع ذنبها ثم ترجع حائلاً، لأنها أخلفت ظن حملها، وكذا إذا ظن بها لبن وليس بها، ويقال لمن يصاح به وهو ساكن يرى أنه نائم : قد أكذب، أي عد ذلك الصياح عدماً، والمكذوبة من النساء : الضعيفة، لأنه لما اجتمع فيها ضعف النساء وضعفها عدت عدماً، والمكذوبة على القلب : المرأة الصالحة - كأنها لعزة الصلاح في النساء جعلت عدماً، وكذب الوحشي - إذا جرى ثم وقف ينظر ما وراءه، كأنه لم يصدق بالذي أنفره، ومنه كذب عن كذا - إذا أحجم عنه بعد أن أراده، أو لأنه كذب ما ظنه عنه الحملة من قتل الأقران، وكذبك الحج لعظم مشقته وطول شقته تنفر النفس عنه، وهو يؤول إلى الحث لأن المعنى أن الحج لعظم مشقته وطول شقته تنفر النفس عنه، فيكاد أن لا يوجد، وكذا الصيد لشدة فراره وسرعة نفارة وعزة استقراره يكاد أن لا يتمكن منه فيكون صيده كالكذب لا حقيقة له، فقد تبين حينئذ وجه كون ( كذب ) بمعنى الإغراء ولاح أن قوله ( ثلاثة أسفار كذبن عليكم : الحج والعمرة والجهاد ) معناه أنها لشدة الصعوبة لا تكاد تمكن من أرادها منها، مع أنه - لقوة داعيته لكثرة ما يرى فيها من الترغيب بالأجر - يكون كالظافر بها، ويؤيده ما قال ابن الأثير في النهاية عن الأخفش : الحج مرفوع ومعناه نصب، لأنه يريد أن يأمره بالحج كما يقال : أمكنك الصيد، يريد : ارمه، وقال أبو علي الفارسي في الحجة في قول عنترة :
كذب العتيق وماء شن بارد إن كنت سائلتي غبوقاً فاذهبي
وإن شئت قلت : إن الكلمة لما كثر استعمالها في الإغراء بالشيء والعبث على طلبه وإيجاده صار كأنه قال بقوله لها : عليك العتيق، أي الزميه، ولا يريد نفيه ولكن إضرابها عما عداه، فيكون العتيق في المعنى مفعولاً به إن كان لفظه مرفوعاً، مثل ( سلام عليكم ) ونحوه مما يراد به الدعاء واللفظ على الرفع، وحكى محمد بن السري رحمه الله عن بعض أهل اللغة في ( كذب العتيق ) أن مضر تنصب به وأن اليمن ترفع به، وقد تقدم وجه ذلك - انتهى.
وأقرب من ذلك جداً وأسهل تناولاً وأخذاً أن الإنسان لا يزال منيع الجناب مصون الحجاب ما كان لازماً للصدق فإذا كذب فقد أمكن من نفسه وهان أمره، فمعنى ( ثلاثة أسفار كذبن عليكم أمكنتكم من أنفسها، الحج كل سنة بزوال مانع الكفار عنه، والعمرة كل السنة بزوال المفسدين بالقتل وغيره في أشهر الحل، والجهاد كل السنة أيضاً لإباحته في الأشهر الحرم وغيرها، وتخريج مثل : كذبتك الظهائر، وغيرها على هذا بين الظهور ولا قفه فيه ولكون الكاذب يبادر إلى المعاذير ويحاول التخلص كان التعبير بهذا من باب الإغراء، أي انتهز الفرصة وبادر تعسر هذا الإمكان.
ولما ذكر سبحانه هذه القصص كما كانت، وحث على الاعتبار بها بقوله :( أفلم