صفحة رقم ١٢١
مستطيل يمنع المرتفع أن يميل، وأصله منع الميل ) ترونها ) أي مريئة حاملة لهذه الأجرام العظام التي مثلها لا تحمل في مجاري عاداتكم إلا بعد تناسبها في العظم، هذا على أن ) ترونها ( صفة، ويجوز - ولعله أحسن - أن يكون على تقدير سؤال من كأنه قال : ما دليل أنها بغير عمد ؟ فقيل : المشاهدة التي لا أجلى منها.
ولما كان رفع السماوات بعد خلق الأرض وقبل تسويتها، ذكر أنه شرع في تدبير ما للكونين من المنافع وما فيهما من الأعراض والجواهر، وأشارإلى عظمة ذلك التدبير بأداة التراخي فقال :( ثم استوى على العرش ( قال الرازي في لوامع البرهان : وخص العرش لأنه أعلى خلقه وصفوته ومنظره الأعلى وموضع تسبيحه ومظهر ملكه ومبدأ وحيه ومحل قربه، ولم ينسب شيئاً م خلقه كنسبته، فقال تعالى :( ذو العرش ( كما قال ) ذو الجلال ( و ( ذو ) كلمة لحق واتصال وظهور ومبدأ، وقال الرماني : والاستواء : الاستيلاء بالاقتدار ونفوذ السلطانن وأصله : استوى التدبير، كما أن أصل القيام الانتصاب، ثم يقال : قائم بالتدبير - انتهى.
وعبر ب ( ثم ) لبعد هذه الرتبة عن الأطماع وعلوها عما يستطاع، فليس هناك ترتيب ولا مهلة حتى يفهم أن ما قبل كان علىغير ذلك، والمراد أنه أخذ في التدبير لما خلق كما هو شأن الملوك إذا استووا على عروشهم، أي لم يكن لهم مدافع، وإن لم يكن هناك جلوس أصلاً، وذلك لأن روح الملك التدبير وهوأعدل أحواله والله أعلم ) وسخر ) أي ذلل تذليلاً عظيماً ) الشمس ) أي التي هي آية النهار ) والقمر ) أي الذي هو آية الليل لما فيهما من الحكم والمنافع والمصالح التي بها صلاح البلاد والعباد، ودخلت اللام فيهما وكل واحد منهما لا ثاني له لما في الاسم من معتى الصفة، إذا لو وجد مثل لهما لم يتوقف في إطلاق الاسم عليه، ولا كذلك زيد وعمرو.
والتسخير : التهيئة لذلك المعنى المسخر له ليكون بنفسه من غير معاناة صاحبه فيما يحتاج إليه كتسخير النار للإنضاج والماء للجريان ) كل ) أي من الكوكبين ) يجري (.
ولما كان السياق للتدبير، علم أن المراد بجريهما لذلك، وهو تنقلهما في المنازل والدرجات التي يتحول بها الفصول، ويتغير النبات وتضبط الأوقات، وكلما كان التدبير أسرعن علم أم صاحبه أعلم ولا سيما إن كان أحكم، فكان الموضع للام لا لإلى، فعلل بقوله :( لأجل ) أي لأجل اختصاصه بأجل ) مسمى ( هذي أجلها سنة، وذاك أجله شهر ؛ والأجل : الوقت المضروب لحدوث أمر وانقطاعه.
ولما كان كل من ذلك مشتملاً من الآيات على ما يجل عن الحصر مع كونه في غاية الإحكام، استأنف خبراً هو كالتنبيه على ما فيما مضى من الحكمة، فقال مبيناً


الصفحة التالية
Icon