صفحة رقم ١٥١
الثاني يلي الأول بلا فصل ) الذي أوحينا إليك ( من ذكر الله الذي هو أعظم الآيات ) وهم ) أي والحال أنهم ) يكفرون ( لا تمل تلاوته عليهم في تلك الحال فإن لنا في هذا حكماً وإن خفيت، وما ارسلناك ومن قبلك من الرسل إلا لتلاوة ما يوحى، لا لطلب الإجابة إلى ما يقترح الأمم من الآيات ظناً أنها تكون سبباً لإيمان أحد، نحن أعلم بهم، وهذا كله تسلية لرسول الله صلىالله عليه وسلم، وقوله :( بالرحمن ( إشارة إلى كثرة حلمه وطول أناته، وتصوير لتقبيح حالهم في مقابلتهم الإحسان بالإساءة والنعمة بالكفر بأوضح صورة وهم يدعون أنهم أشكرالناس للإحسان وأبعدهم من الكفران.
ولما تضمن كفرهم بالرحمن كفرهم بالقرآن ومن أنزل عليه، وكان الكفر بالمنعم في غاية القباحة، كان كأنه قيل : فماذا أفعل حينئذ أنا ومن اتبعني ؟ لا نتمنى إجابتهم إلى مقترحاتهم إلا رجاء إيمانهم، وكان جوابهم عن الكفر بالموحى أهم، بدأ به فقال :( قل ( عند ذلك إيماناً به ) هو ) أي الرحمن الذي كفرتم به ) ربي ( المربي لي بالإيجاد وأدرار النعم، والمحسن إليّ لا غيره، لا أكفر إحسانه كما كفرتموه أنتم، بل أقول : إنه ) ل إله إلا الله ( أنا في أن سبب كفرتم إنكار يوم الدين.
ولما فرغ من الجواب عن الكفر بالموحى، عطف على ( هو ربي ) الجواب عن الكفر بالوحي فقال :( ولو ( إشارة إلى أنه يعتقد في القرآن ما هو أهله بعد ما أخبر عن اعتقاده في الرحمن، أي وقل : لو ) أن قرأناً ( كانت به الآيات المحسوسات بأن ) سيرت ) أي بأدنى إشارة من مشير ما ) به الجبال ) أي فأذهبت على ثقلها وصلابتها عن وجه الأرض ) أو قطعت ) أي كذلك ) به الأرض ) أي على كثافتها فشققت فتفجرت منها الأنهار ) أو كلم به الموتى ( فسمعت وأجابت لكان هذا القرآن، لأنه آية لا مثل لها، فكيف يطلبون آية غيره أو يقال : إن التقدير : لو كان شيء من ذلك بقرآن غيره لكان به - إقراراً لأعينكم - إجابة إلى ما تريدون، لكنه لم تجر عادة لقرآن قبله بأن يكون به ذلك، فلم يكن بهذا القرآن، لأن الله لم يرد ذلك لحكمه علمها، وليس لأحد غير الله أمر في خرق شيء من العادات، لا لولي ولا لنبي ولا غيرهما حتى يفعل لأجلكم بشفاعة أو بغيرها شيئاً لم يرده الله في الأزل ) بل ( ويجوز أن يكون التقدير : لو وجد شيء من هذا بقرآن يوماً ما لكان بهذا القرآن، فكان حينئذ يصير كل من حفظ منه