صفحة رقم ١٥٣
سؤالهم هذا متضمناً لا دعائهم أن دعواه إنزال القرآن لا تصح إلا أن فعل هذه الاشياء.
ولما كان هذا كله إقناطاً من حصول الإيمان لأحد بما يقترح، تسبب عنه الإنكار على من لم يفد فيه ذلك فقال تعالى :( أفلم ( بفاء السبب ) ييئس الذين آمنوا ( من إيمان مقترحي الآيات بما يقترحون لعلمهم ) أن ) أي بأنه ) لهدى الناس ( وبين أن اللام للاستغراق بقوله :( جميعاً ) أي بأيسر مشيئة، والعلم بالشيء يوجب اليأس من خلافه، لكنه لم يهدهم جميعاً فلم يشأ ذلك، ولا يكون إلا ما شاءه، فلا يزال فريق منهم كافراً، فقد وضح أن ) ييئس ( على بابها، وكذا في البيت الذي استشهدوا به على أنها بمعنى ( علم ) يمكن أن يكون معناه : ألم تيأسوا عن أذاي أو عن قتلي علماً منكم بأني ابن فارس زهدم، فلا يضيع لي ثأر، وكذا قراءة علي ومن معه من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين - أفلم - يتبين الذين آمنوا - أي أن أهل الضلال لا يؤمنون لآية من الآيات علماً منهم بأن الأمر لله جميعاً، وأن إيمانهم ليس موقوفاً على غير مشيئته.
ولما علم من ذلم أن بعضهم لا يؤمن، ضاقت صدور المؤمنين لذلك لما يعاينونه من أذى الكفار فأتبعه ما يسليهم عاطفاً على ما قدرته من نتيجة عدم المشيئة، فقال :( ولا يزال الذين كفروا ) أي ستروا ضياء عقولهم ) تصيبهم بما صنعوا ) أي مما مرنوا عليه من الشر حتى صار لهم طبعاً ) أو تحل ) أي تنزل نزولاً ثانياً تلك القارعة ) قريباً من دارهم ) أي فتوهن أمرهم ) حتى يأتي وعد الله ) أي الملك الأعظم بفتح مكة أو بالنصر على جميع الكفرة في زمن عيسى عليه السلام فينقطع ذلك، لأنه لا يُبقي على الأرض كافراً، وفي غير ذلك من الأزمان كزمن فتح مكة المشرفة، فيكون المعنى خاصاً بالبعض ) إن الله ) أي الذي له مجامع الكمال ) لا يخلف الميعاد ) أي الوعد ولا زمانه ولا مكانه ؛ والوعد : عقد الخبر بتضمن النفع، والوعيد : عقده بالزجر والضر، والإخلاف : نقض ما تضمن الخبر من خير أو شر.