صفحة رقم ١٧٠
والشرود لافتراق الجنسية، وإليه الإشارة بقوله تعالى :( ) ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون ( ) [ الأنعام : ٩ ] أي ليكون أقرب إليهم لئلا يقع تنافر فكونهم من البشر أقرب وأقوم للحجة.
ولما كانت رسالة محمد ( ﷺ ) عامة، كان عليه الصلاة والسلام يخاطب كل طائفة من طوائف العرب بلسانها ويكملها بما تفهم، وتأمل كم بين كتابه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنس رضي الله عنه في الصدقة وكتابه إلى وائل بن حجر مع اتحاد الغرض، وللكتابين نظائر يوقف عليها في مظانها، وكل ذلك لتقوم الحجة على الجميع، واستمر باقي سورة إبراهيم عليه السلام على التعريف بحال مكذبي الرسل ووعيد من خالفهم وبيان بعض أهوال الآخرة وعذابها - انتهى.
إبراهيم :( ٥ - ٦ ) ولقد أرسلنا موسى.....
) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ ( ( )
ولما ذكر سبحانه الرسل بما ذكره، توقع السامع تفصيل شيء من أخبارهم، فابتدأ بذكر من كتابه أجل الكتاب بعد القرآن هدى للناس دليلاً على أنه يفعل ما يشاء من الإضلال والهداية، وتسلية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتثبيتاً وتصبيراً على أذى قومه، وإرشاداً إلى ما فيه الصلاح في مكالمتهم، فقال مصدراً بحرف التوقع :( ولقد أرسلنا ) أي بعظمتنا ) موسى بآياتنا ) أي البينات ؛ ثم فسر الإرسال بقوله :( إن أخرج قومك ) أي الذين فيهم قوة على مغالبة الأمور ) من الظلمات ) أي أنواع الجهل ) إلى النور ( بتلك الآيات ) وذكرهم ) أي تذكيراً عظيماً ) بأيام الله ) أي الذي له الجلال والإكرام من وقائعه في الأمم السالفة وغير ذلك من المنح لأوليائه والمحن لأعدائه كما أرسلناك لذلك ) إن في ذلك ) أي التذكير العظيم ) لآيات ( على وحدانية الله وعظمته ) لكل صبار ) أي بليغ الصبر بلاء الله، قال في العوارف : وقال أبو الحسن بن سالم : هم ثلاثة : متصبر، وصابر، وصبار، فالمتصبر من صبر في الله، فمرة يصبر ومرة يجزع، والصابر من يصبر في الله ولله ولا يجزع ولكن يتوقع منه الشكوى، وقد يمكن منه الفزع، فأما الصبار فذلك الذي صبّره الله في الله ولله بالله، فهذا لو وقع عليه جميع البلايا لا يجزع ولا يتغير من جهة الوجوب والحقيقة، لا من جهة الرسم والخليقة، وأشارته في هذا ظهور حكم العلم فيه مع ظهور صفة الطبيعة.
) شكور ) أي عظيم الشكر لنعمائه، فإن أيامه عند أوليائه لا تخلو من نعمة أو نقمة، وفي صيغة